خلال الأشهر الفائتة بدا الحماس للانتخابات النيابية
ونتائجها في أوجّه، حيث برز “التغيير” كشعار
أساسي للمرحلة المُقبلة وحافزا للفئات
الغاضبة من أداء القوى السياسية على
أساس أن “حراك 17 تشرين” لا يزال
حاضراً في وجدان شريحة واسعة من
اللبنانيين وأن التصويت للمجتمع المدني سيكون كفيلاً بتغيير الواقع الحالي
في تلك الآونة بدأت المجموعات المدنية
تنشط في مختلف الاتجاهات لخوض
معترك الانتخابات البرلمانية، ما أوحى بأنّ
المجتمع المدني سيكون قادراً على إيصال
كتلة من افراد مستقلين قد يتجاوز عددهم
العشرين نائباً في البرلمان اللبناني ويستطيع
بذلك خرق الطبقة السياسية التقليدية وتحقيق انتصار ساحق.
مما لا شكّ فيه أن ثمة شروط لتحقيق التحوّل
الديمقراطي المرجوّ في لبنان، لذلك فإن بعض
الأمنيات تبدو صعبة المنال إذا لم تتوحّد جهود
المجتمع المدني، بالحدّ الأدنى، في الدوائر ضمن
خطوات منسّقة ومشروع واضح ومحدد لتشكّل
خياراً بديلاً للناخب اللبناني يضمن محاسبة القوى السياسية التقليدية وتصحيح الوضع القائم.
لكن اليوم، وعلى مسافة أيام من إغلاق باب
تسجيل اللوائح مع اقتراب نهاية الدورة البرلمانية وموعد إجراء الانتخابات النيابية يبدو أن المجتمع المدني يواجه معضلة شائكة تعاكس آماله، حيث أن كل المعطيات تشير الى أن الوقت قد داهمه وبات من الصعب عليه تحقيق أي خروقات جدية، إذ يذهب بعض المتشائمين للقول بأن المجموعات الثورية، على حدّ تعبيرهم، ستعجز عن إحراز أي انتصار في الدوائر الانتخابية على امتداد لبنان.
وفقاً لبعض الاستطلاعات، فإنّ لوائح المجتمع المدني انقسمت على نفسها في مختلف الدوائر، وأن هناك دوائر ستشهد وجود ما يفوق الاربعة لوائح في حين أن دوائر اخرى ستضمّ لائحتين او ثلاثة، وبعد المتابعة تبيّن أنه من المستحيل إيجاد أي دائرة توحّد فيها المجتمع المدني بحدّ أدنى، إذ إن الطامحين للسلطة كثر ويعملون على تشكيل لوائحهم في مواجهة داخلية لبعضهم البعض اكثر من مواجهتهم لما يعتبرونه “منظومة سياسية” فاشلة.
ترى مصادر متابعة للملف الانتخابي أن من سيحقق خرقاً في لوائح الأحزاب التقليدية هم في الواقع شخصيات نيابية وتيارات موجودة في السلطة أو تملك حيثية شعبية عائلية او شخصية، وبالتالي فهم مجموعات ركبت موجة المعارضة للطبقة السياسية بُعيد “حراك 17 تشرين” ولا يمكن احتسابهم على الحالة الثورية بغض النظر عن مواقفهم السياسية المستجدة وتناغمهم مع الشعارات المطلبية بشكل او بآخر، ذلك لأن قواعدهم الجماهيرية ثابتة منذ ما قبل الانتفاضة الشعبية الامر الذي ينطبق على العديد من الوجوه المنبثقة إما من “مجلس السلطة” او من البيوت السياسية.
اما مجموعات “17 تشرين” والتي في معظمها عبارة عن نُخب اجتماعية تتقن الخطاب التغييري فمن الواضح أنها انهزمت امام نفسها؛ في دائرة الشمال الثانية في طرابلس وعكار، في جبيل كسروان، في المتن وحتى في الاشرفية حيث نفوذ النائبة بولا يعقوبيان وفي الجنوب وبعبدا والشوف وعاليه، وهذه الانقسامات تشمل كل المناطق اللبنانية دون استثناء، الامر الذي من شأنه أن يؤدي الى شرذمة كاملة تصعب معها الخروقات المرجوة، ان لم تكن مستحيلة، الا بنسَب ضئيلة جداً.
هل تقضي الانتخابات النيابية على حلم 17 تشرين؟
تعلّق المصادر نفسها على السؤال بأنّ عجز المجتمع المدني عن بناء نواة جدية تواجه تعملق السلطة التقليدية قد يكون سبباً مباشراً لإحراق مراكب التغيير، الامر الذي سيعزّز من سطوة القوى السياسية وتقدّمها بفارق كبير، حيث أن سيطرة عامل المنافسة وتضارب الاهداف على بعض مكونات الحراك يفقده الثقة الشعبية التي يجب أن تكون ركيزة أساسية لانطلاق مشروع الاصلاح المنشود.
هكذا قد تنهي الانتخابات النيابية حلم “17 تشرين” بتحقيق تحوّل ديمقراطي في الساحة السياسية اللبنانية، بالتوازي مع الجهود التي تبذلها الأحزاب لتحجيم قوى الثورة ، وهذا الامر، إن كان عملاً مشروعاً في السياسة، فمن غير المشروع أن تطرح هذه القوى نفسها بديلاً جدياً في حين انها ستخوض غمار المعركة الانتخابية بلوائح مشتتة تحكمها التجاذبات والمناكفات في اكثر من دائرة.