لبنان : تجويع وسرقة وسطو على “الفريش موني”…

“درج”: باسكال صوما – صحافية لبنانية

يبسط هذا القانون يد من كانوا سبباً في الأزمة ويقوض عمل القضاء وهيبته، ويمنع حق رفع دعوى على المصارف، وينسف صراحة كل الدعاوى الموجودة امام القضاء في الداخل والخارج، ويعطي اللجنة صلاحية فرض عقوبات.
لا يعني إسقاط اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” المعدّل في جلسة مجلس النواب (اليوم 28 آذار/ مارس) سقوطه إلى الأبد. فالنسخة الجديدة من “الكابيتال كونترول” والتي تولى سعادة الشامي، نائب رئيس مجلس الوزراء تقديمها، بعد سقوط النسخة الأولى، ما هي إلا تمهيد للنهاية وللنسخة النهائية من “الكابيتال كونترول” التي يتم التحضير لها، والتي تعني نهب ما تبقى وتجويع اللبنانيين بالمعنى الفعلي، لا المجازي.

يعود الحديث عن “الكابيتال كونترول” بعد تهريب ملايين الدولارات العائدة لسياسيين ورجال أعمال خارج البلاد، وهو ما تثبته، مقارنة بسيطة لحجم الانخفاض باحتياطات مصرف لبنان عام 2020، بحجم الأموال التي ذهبت للدعم وتمويل نفقات الدولة بالعملة الصعبة، ما يظهر أن ثمّة 7.87 مليار دولار من الأموال، خرجت فعلاً من احتياطات مصرف لبنان دون أن يتضح مآلها الفعلي، ما يشير إلى ارتباطها بشبهة تهريب الأموال (وفق مقال منشور في “درج” للزميل علي نور الدين). كما أن وثائق “باندورا” التي سبق لـ”درج” أن كان

شريكاً في نشرها والتحقيق فيها، أثبتت أن مسار التهريب عبر شركات “الأوف شور” بدأ قبل الأزمة والانهيار الاقتصادي،

ولا بد أنه استمر خلالها في غياب الرقابة والمحاسبة. من هنا،

كان يمكن أن يلعب “الكابيتال كونترول” دوراً في ضبط عمليات

تهريب الأموال، أو التحويلات إلى الخارج، إلا أنه الآن يأتي بصيغته

المعدّلة أو بالصيغ المرتقبة (التي يفترض أن يتحفنا بها السيد

سعادة الشامي بحجة البنك الدولي وخطة التعافي) لحماية المصارف والسلطة، لا لحماية صغار المودعين كما

كان يفترض. ففي بداية الأزمة، أواخر عام 2019، كان يمكن أن

يحمي هذا الإجراء المودعين الصغار، مقابل أن يمنع تهريب أموال كبار المودعين

و”متعهدي” المنظومة الحاكمة. وكان يفترض أن يأتي “الكابيتال كونترول” كجزء

من تغييرات وإصلاحات يفرضها صندوق النقد والبنك الدولي في خطة التعافي المرتقبة.

لكن السلطة السياسية تحاول أن تمرر القانون أو أن تسهّل الطريق لتمريره

ربما بعد الانتخابات النيابية، إن تعذّر إقراره قبلها حفاظاً على أصوات المواطنين

المنوي نهبهم للمرة الثانية. وذلك من دون أن يترافق الأم

ر مع أي إصلاحيات

جدية لمكافحة الفساد ووقف النزيف وفي غياب أي خطة اقتصادية لحماية اللبنانيين ومصالحهم

في هذا الإطار، يفنّد العضو المؤسس في “رابطة المودعين”

هادي جعفر لـ”درج” ما يتضمنه القانون المعدل، مشيراً إلى عدد من الانتهاكات، أهمها: 

يستحدث القانون لجنة حكومية- نقدية مؤلفة من حاكم مصرف

ووزراء من الحكومة ورئيسها، بعضهم مدعى عليه بلبنان والخارج. 

– يشرع هذا القانون التمييز بين المودعين وأموالهم في مخالفة لشرعة

حقوق الإنسان، الدستور والقوانين ويكرس بدعة الـfresh money .

– يحدد القانون سقوفاً للسحوبات والتحويلات قائمة على استنسابية

اللجنة بدون معايير علمية واضحة، وعلى سعر صرف لمنصة أثبتت فشلها.

– الاستثناءات للتحاويل والسحوبات خاضعة لرأي اللجنة، ولم يتم ذكر الطلاب مثلاً،

ما من شأنه أن يسبب كارثة حقيقية للطلاب في الخارج.

– عدم السماح بفتح حسابات مصرفية جديدة الا باستثناءات ضيقة،

ما يضرب فحوى عمل القطاع المصرفي بخاصة خلال محاولة إعادة هيكلة المصارف.

– حدد مشروع القانون عمل اللجنة لثلاث سنوات قابلة للتجديد

بناءً على اقتراح منها نفسها، علماً أن لا أحد من أعضائها يبقى ثابتاً، بعد تغير الحكومة، ما يزعزع هدف الاستقرار بالتعاملات.

– يبسط هذا القانون يد من كانوا سبباً في الأزمة ويقوض عمل القضاء وهيبته،

ويمنع حق رفع دعوى على المصارف، وينسف صراحة كل الدعاوى الموجودة

امام القضاء في الداخل والخارج، ويعطي اللجنة صلاحية فرض عقوبات.

– تعمل اللجنة تحت رقابة نفسها، دون حسيب ولا رقيب… 

إذاً، البند 29 الذي ناقشه مجلس النواب وأسقطه بشهامة نادرة

(إنما مجدداً ليس إلى الأبد)، والذي يتضمن اقتراحاً جديداً لـ”الكابيتال كونترول”، يُطلق يد حاكم مصرف

لبنان والمصارف على مدى 3 سنوات قابلة للتمديد. يمنحهم صلاحيات

غير محدودة لمنع وحجب والتحكّم بأموال الناس، مودعين كانوا أو موظفين أو حتى مصدّرين.

في المادة السادسة من اقتراح القانون الذي اطلع عليه “درج”، المعنونة

بـ”التحاويل والدفوعات المحلية واستخدام حسابات القطع”، “تتم المدفوعات

والتحاويل المحلية كافة بين المقيمين وغير المقيمين بالليرة اللبنانية باستثناء

الحالات التي تحددها اللجنة. كما تحدد اللجنة القيود المفروضة على التحاويل

بالعملة الوطنية والعملة الأجنبية بين المصارف كما واستخدام الشيكات…”.

وغير المقيم وفق المادة هو أي فرد أو كيان قانوني غير مقيم ويشمل

ذلك الفروع الأجنبية للشركات (بما فيها سائر الكيانات المقيمة) بمعنى آخر، وفق المادة المذكورة،

يحق للجنة التحكم بمصائر اللبنانيين، كما تقوّض التعامل بالعملة الصعبة

وتضبط كما تشاء حركة “الفريش موني” التي تسمح لبعض العائلات

بالاستمرار بالتنفس (عبر عمل الأفراد في شركات أجنبية أو عبر أموال

المغتربين المرسلة إلى ذويهم)، بعدما انهارت قيمة الليرة اللبنانية.

ويعني ذلك “بالعربي المشبرح” هي مجاعة مقوننة،

بمباركة السلطة الحاكمة التي تعمل على إعادة إنتاج نفسها

في الانتخابات المرتقبة في أيار/ مايو 2022، وبإدارة المصارف

والمصرف المركزي التي تولت المنهبة الأولى والآن تهيئ الظروف

للمنهبة الثانية. فإذا سقط “الكابيتال كونترول” اليوم قبيل الانتخابات،

هذا لا يعني أنه سيسقط بعدها. 

Exit mobile version