بقلم راكيل عتيِّق – الجمهورية
توصّلت الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي الى اتفاق وُصف لبنانياً رسمياً بـ»اتفاق مبدئي»، فيما حدّده صندوق النقد بأنّه «اتفاق على مستوى الموظفين»، ويشمل إصلاحات مطلوب من لبنان إجراؤها، كشرط للوصول الى اتفاق نهائي يقترض بموجبه لبنان 3 مليارات دولار من الصندوق. هذه الإصلاحات، المالية تحديداً، جزء منها يتطلّب إقراراً من مجلس النواب والآخر قرارات تنفيذية من مجلس الوزراء. فهل يرضخ المسؤولون لهذه الإصلاحات التي لم ينفذوها إرادياً وبقرار ذاتي سابقاً؟ وهل سيقرّ مجلس النواب الحالي القوانين المطلوبة، أم تُرحّل الى المجلس الجديد؟ وماذا حينها؟
على المستوى التشريعي، من المرجح أن يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة في 15 من الجاري – أي قبل شهر على الانتخابات النيابية- والتي قد تكون الأخيرة في ولاية هذا المجلس. وتؤكّد مصادر قريبة من بري، أنّه مستعد لتشريع المطلوب من المجلس، لكن «الرئيس بري ليس وحده مجلس النواب». وترى هذه المصادر، أنّ هذا الموضوع يتطلّب من الجميع «قليلاً من الرأفة». وتشير الى أنّ «النظرة العامة الى الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد جيدة والشروط مقبولة، إنّما تتطلب تدقيقاً في التفاصيل». وإذ ترى أنّ هذا «اتفاق إطار»، تعتبر «أنّنا إذا وافقنا عليه نكون على الطريق الصحيح، ومهما كان سيئاً فهو ليس أسوأ ممّا نعيش فيه، فالاتفاق مع صندوق النقد يفتح باب ضوء لإمكانية تحسُّن الوضع».
على المستوى التنفيذي، توضح مصادر قريبة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ هذا «الاتفاق المبدئي» يشكّل خريطة طريق إلى توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، إذ بات واضحاً ما هو مطلوب من لبنان وعمق الإصلاح الواجب إجراؤه. وترى أنّ كلّا من مجلس الوزراء ومجلس النواب بات مقراً بضرورة البدء بهذه الإصلاحات مع ما تترافق من مشاريع قوانين وصيغة تنفيذية من الحكومة. وتقول: «هذه نقطة انطلاق لطريقة توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الذي سيكون الوتيرة الاقنصادية الأساس، والتي تترافق مع أمرين أساسيين: خطة النهوض الاقتصادي التي تُعنى بكلّ مفاصل الصيغة المالية، وتشمل خطة تفصيلية لكلّ قطاع، والموازنة بمعزل عمّا إذا كانت ستُقرّ قبل الانتخابات أو بعدها. وبالتالي هذه أرضية تحضيرية لعملية النهوض»
إنطلاقاً من ذلك، يجب، بحسب هذه المصادر، تنفيذ مضمون هذا الاتفاق وصولاً الى الاتفاق النهائي، والتعامل مع كلّ مرحلة على طريقة سياسة «الخطوة خطوة» التي يعتمدها ميقاتي، بمعنى الوصول الى نتيجة وبعدها يُبنى عليها. إذ في ظلّ الوضع القائم في لبنان من الصعب أن يكون هناك تصوُّر شامل ورؤية واضحة لمدى بعيد، مع ما يطرأ من عوامل معرقلة ومفرملة، إن كانت داخلية أو خارجية.
سياسياً، يُرتقب موقف «حزب الله» من الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، خصوصاً أنّه كان سابقاً من أشدّ المعارضين له، وهو لن يسير «عالعمياني» مع أي اتفاق. بالنسبة الى «الاتفاق المبدئي»، إنّ «حزب الله» موافق عليه مبدئياً، بعد أن كان يواكب المفاوضات ويتابعها، الّا أنّه سيحدّد موقفه منه عندما
يُطرح على مجلس الوزراء. وهو الآن في صدد الإطلاع التفصيلي
على هذا الاتفاق ومناقشته تمهيداً لتحديد موقفه منه،
ويركّز على بعض النقاط، ومنها الـ»كابيتال كونترول» الذي يريده
أن يحفظ حقوق المودعين أولاً قبل الدولة وليس حقوق المصارف،
كذلك خطة الإصلاح والقطاعات التي تطاولها، من الكهرباء الى النقل والمطار والمرافئ
وفي حين أنّ البعض لا يعوّل على اتفاق مع صندوق النقد الدولي
لاقتراض 3 مليارات دولار، فيما أنّ المصرف المركزي صرف المليارات
على سياسات الدعم، أقلّه في الفترة التي تلت تشرين 2019، وهدرت
الدولة عشرات المليارات على الكهرباء، ولا يثق في أنّ هذا الاتفاق هو الحلّ للأزمة اللبنانية، تعتبر
جهات عدة أنّ «الاتفاق مع صندوق النقد أفضل من لا شيء، وإذا سارت
الأمور كما يجب، لن نحصل على 3 مليارات دولار فقط. كذلك إنّ
الموضوع غير مرتبط بصندوق النقد فقط بل هناك مساعدات
دولية أخرى، وقد يجري تفعيل وتحريك مساعدات مؤتمر «سيدر».
من جهتها، تقول مصادر مطّلعة على المفاوضات مع صندوق النقد:
«إنّ الـ3 مليارات دولار عبارة عن بداية وليس هذا الاتفاق النهائي،
بل بداية لما هو مطلوب من لبنان وما هو واجب عليه، إضافةً الى
أنّ هذا الاتفاق سيوصل الى صيغة دولية ستدعم لبنان إذا سار في هذا التوجّه».
لكن أبعد من الـ3 مليارات دولار، هناك أمران أساسيان منبثقان
من الاتفاق مع صندوق النقد، ويساعدان لبنان على حلّ أزماته والنهوض مجدداً، بحسب جهات مطّلعة:
– الأول، عملية الإصلاح الجوهرية المطلوبة، والتي هي لمصلحة لبنان وسيستفيد
منها اللبنانيون، إذ إنّها لوحدها قادرة على الحدّ من الهدر والدين العام والفساد
وكلّ ما يرهق خزينة الدولة، وتؤدي الى الحوكمة الرشيدة، خصوصاً أنّ الطبقة الحاكمة،
والتي قد تنبثق نفسها من الانتخابات المقبلة، لن تقدم على أي من هذه الإصلاحات
إذا لم يفرضها صندوق النقد، إضافةً الى الحلول للأزمة المالية – النقدية – الاقتصادية،
والتي لم تُقدم السلطة على معالجة أبسط تفصيل فيها.
– الثاني، معادلة الإصلاحات، فاتفاق مع صندوق النقد فدعم د
ولي،
إذ إنّ الاصلاحات شرط مُعلن من كلّ الدول الغربية والعربية،
وحتى الخليجية وتلك التي لديها مشكلات سياسية مع البلد،
كذلك إنّ جميع مسؤولي دول العالم يؤكّدون منذ بداية الأزمة
أنّ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي «فيزا» للبنان لتحرير الدعم الدولي له.
وسبق أن وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعقد مؤتمر دعم دولي للبنان
في حال تمّ الاتفاق مع صندوق النقد ونُفّذت الإصلاحات.
وبالتالي، وبمعزل عن قيمة الاستفادة أو القرض من صندوق النقد، سيربح لبنان تطبيق
إصلاحات تعذّر إجراؤها منذ عشرات السنين، والتي بدورها ستعيد ثقة الخارج فيه وتمهّد الى عودة الدعم الجدّي للدولة.