بقلم باتريسيا جلاد – نداء الوطن
دقّت ساعة الحقيقة مع صندوق النقد الدولي، الذي «زرك» السلطات اللبنانية في «زاوية» ضرورة الشروع بالإصلاحات والكفّ عن المراوغة وإضاعة الوقت، وأعلن اتفاقاً على مستوى الموظفين بانتظار موافقة ادارة الصندوق ومجلسه التنفيذي لبدء إطلاق سراح مبلغ 3 مليارات دولار المرصودة للبنان في 4 سنوات، تسدّد تدريجياً حسب تقدّم برنامج الإصلاح.
ومن بين الشروط الإصلاحية الملحّة التي وردت في الإتفاق، برز بند تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي، فضلاً، طبعاً، عن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وإقرار موازنة 2022 وصولاً الى اقرار قانون الـ»كابيتال كونترول» فإلى البدء بإصلاح قطاع الكهرباء… لكن متى يعتبر الوقت مناسباً لتوحيد سعر الصرف وما هي الآلية المتبعة؟
لا شكّ في أن الإتفاق الأولي على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي يعتبر ايجابياً للبنان كردّة فعل أولى في زمن الإنهيار، ولكنه يعتبر «ناقصاً» كما أكّد رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود خلال حديثه الى «نداء الوطن».
فالرهان اليوم أو العبرة كما يقول المثل في التنفيذ، فالإتفاق الأولي يتعاطى باتفاقيات على العناوين، والنهائي يتجه الى تنفيذ التفاصيل. وبرأي حمود «هناك فعلاً مشكلة في ما إذا كنا مهيّئين لتنفيذ البرنامج الإصلاحي المطلوب». لافتاً الى أن «أهمية الإتفاق مع صندوق النقد ليست فقط 3 مليارات دولار على فترة 4 سنوات وانما هي معنوية تسمح بمخاطبة كل بيوت المال الدولية والعربية». الى ذلك، اعتبر حمود أن الخطوة الإيجابية تلك ناقصة كون «الشروط الإصلاحية المذكورة في ورقة الإتفاق، سبق أن طرحت منذ سنوات ولطالما طالبنا بوضع آليات لتنفيذها».
ويرى أننا «سنشهد في المرحلة المقبلة خلافات كبيرة، لا سيما على نقطة توزيع الخسائر، اذ لا يجب القبول بخسارة المودعين ودائعهم. فأي مودع، كبيراً كان أم صغيراً، يجب أن يستحصل على ودائعه ومن غير المقبول خسارتها». مشيراً الى «وجود رابط بين المودع والمصرف، فإذا خسر أي مودع وديعته من غير المقبول أن يبقى المصرف قائماً، علماً أن المصارف لا تسدّد أموال المودعين بأكملها، لذلك فهناك مشكلة كبيرة والدولة يجب ان تتحمّل مسؤوليتها ومديونيتها والفجوة الموجودة بمصرف لبنان وفقاً للمادة 113 من قانون النقد والتسليف»، والتي تنصّ على أن الدولة مسؤولة بالمال عن خسائر مصرف لبنان.
هذه النقطة أيضاً بحسب حمود «ستشكّل نقطة خلاف بين السلطات اللبنانية وصندوق النقد». طارحاً بعض التساؤلات: هل الدولة اليوم بوضع يمكّنها من إعادة تحجيم القطاع العام وإنجاز التدقيق الجنائي؟ والوصول الى توحيد سعر الصرف من دون إعادة تكوين قطاع مصرفي والحفاظ على حقوق المودعين؟ هل يمكن أن يحقق مجدداً ميزان المدفوعات فائضاً وإعادة الثقة بالبلاد، اذا كان المودعون سيخسرون ودائعهم؟ رغم كل ذلك، تبقى آمالنا معلّقة على التوصّل الى الإتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، علماً أن لدينا كل المؤهلات للقيام بكل ما هو مطلوب للوصول الى مرحلة اتفاق نهائي معه».
وبالنسبة الى التوقيت وكيفية تحرير سعر الصرف، أكّد حمود أنه «لا يمكن توحيده والتحكّم به وتحريره «الا اذا استبقت هذا الأمر إعادة تكوين قطاع مصرفي قادر على مزاولة عمله بالشكل الصحيح ومعالجة مسألة الودائع المحبوسة. وتكون البنوك قادرة على مزاولة عملها بالشكل المطلوب اذا أعيد تكوين القطاع وفقاً للمعايير الدولية، وحلّ مشكلة الإقتطاع من الودائع والمودعين، وتنظيم حجم العرض والطلب العرض بالليرة اللبنانية والإنفاق بالليرة، وعرض الدولار وحجم الإنفاق بتلك العملة».
ويأتي كل ذلك كما يوضح تزامناً مع ما يسمى «بالتدفقات النقدية بالعملة الأجنبية من الخارج والإحتياجات للاستيراد بالدولار الأميركي. من هنا يرى أن «معالجة إعادة هيكلة القطاع
المصرفي وتسديد الودائع وإنشاء شبكة دفع موحّدة بالليرة اللبنانية
من خلال التوجه الى الوسائل الرقمية والبيومترية لاعتماد بطاقات
تساعد على الإنفاق ومراقبتها والتحكّم بها، هي نقاط اساسية للتمكن من السير على الطريق السليم، وإلا ندور في حلقة مفرغة».
وأكّد أن «صندوق النقد الدولي هو وهم كبير نعتمد دائماً كلبنانيين
عليه لحلّ مشكلاتنا التي لا نستطيع حلّها بأنفسنا، ويجب أن نعرف
أن الصندوق لن يحلّ قضايانا العالقة، وانما هو رافعة للبرامج أو
الأفكار التي تنطلق منها الدول، الأمر الذي يجدر القيام به للتوصّل الى مرحلة المفاوضات الرسمية مع صندوق النقد.
كانت العملة اللبنانية تعد من أقوى 10 عملات في العالم بين
العامين 1960 و1970 بحيث لم يتجاوز سعر الدولار الواحد وقتها 3 ليرات لبنانية، قبل أن تبدأ في الانهيار في الثمانينات
تدريجياً لتصل إلى نحو 3000 ليرة للدولار الواحد في العام 1991،
وتعود بعدها وتتراجع مع توّلي الرئيس الراحل رفيق الحريري رئاسة الحكومة في 1993.
وعرف لبنان منذ نهاية العام 1997 البحبوحة المصطنعة بسبب تثبيت سعر الصرف للعملة اللبنانية
على سعر 1507.5 ليرات لسنوات طوال استمرت حتى العام 2019 حين
انفجر الوضع المالي والإقتصادي وبدأ الإنهيار يشقّ طريقه. وكان لسياسة
تثبيت الصرف كلفة هائلة هي جزء اساسي من الخسائر المقدرة حالياً بنحو 73 مليار دولار
في الفترة الممتدة من العام 1984 الى 1992 إنتقل سعر الصرف الإسمي من 6.8 ليرات لبنانية
في نهاية العام 1984 وصولاً الى 3000 ليرة عام 1991، قبل أن يبدأ بالتراجع ويصل الى 1838 ليرة لبنانية
في نهاية العام 1992، وقتها ارتفعت الأسعار 11 ضعفاً وانخفض الحد الأدنى للأجور من ما يعادل 242 دولاراً
في العام 1983 الى 64 دولاراً في العام 1992.
اليوم وفي خضم الإنهيار الذي نتخبط فيه باتت فكرة تثبيت سعر الصرف
وراءنا في خطة التعافي الإقتصادي لتستبدل بعبارة تحرير سعر صرف الليرة
إزاء الدولار الأميركي، باعتباره مطلباً بل بنداً أساسياً من شروط صندوق النقد الدولي الإصلاحية
المفروض على الدولة القيام بها. وكان أعلن عن ذلك حاكم مصرف لبنان في كانون الأول
من العام 2021 حين قال أن عصر تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار انتهى،
ونتجه نحو تعويم سعر صرف الليرة بعد اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
لكن لغاية اليوم وفي ظلّ عدم قدرة السلطات اللبنانية على إحراز تقدّم
في المعالجات بعد مرور عامين ونصف على الأزمة… تتعدّد أسعار الصرف
للعملة الوطنية أمام الدولار من السعر الرسمي 1507.5 ليرات الى 8000 ليرة
(الدولار المصرفي وفق تعميم 151) و 12 ألف ليرة ( للمودعين الذين يستفيدون من التعميم 158 للسحوبات الإستثنائية
بالدولار)، فمنصة «صيرفة» ( والتي أقفلت يوم الجمعة الماضي على 22100 ليرة،
للتعميم رقم 161 الذي يقضي بسحب الودائع بالدولار بدل الليرة)…
وهناك السوق الموازية التي اقفلت الاسبوع الماضي على نحو 24 الف ليرة للدولار.