لبنان 24
لا يترك الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أي فرصة سانحة إلا ويحاول إستثمارها في السياسة، وبشتى الطرق، بما يخدم مشروعه السياسي القائم على الإستيعابية والإحتوائية، ومواءمة ما يجري في الإقليم مع الواقع اللبناني الداخلي بكل تشعباته وتناقضاته.
ثمة من “أخذ على خاطره” لأن السيد جمع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مع رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، ولكنه في الوقت نفسه يعترف بأنه كان عليه أن يتصرّف وألا يترك الساحة المسيحية وخلافاتها وتناقضاتها لغيره.
في رأي بعض الذين إنتقدوا خطوة ما وصفوها بـ”الإستسلامية” أنه كان على رئيس الجمهورية، وهو “بي الكل”، أن يجمع المتخاصمين قبل أن يفكرّ غيره بهذه المبادرة، ولكن على غير أسس “إفطار حارة حريك”، أي على أسس غير إنتخابية ولغير أهداف “رئاسية”. وعليه أن يجمع أيضًا باسيل وفرنجية مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع ورئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل لتكريس مصالحة مسيحية – مسيحية تكون خطوة أولى على طريق المصالحة الوطنية الشاملة. وهكذا ينهي عهده بما لم يبدأ به. ويضيفون أنه ولو فعل لكان لبنان قد تجاوز الكثير من العثرات والسقطات.
وهناك رأي آخر يميل إلى الإعتقاد بأن السيد حسن، الذي
“يقاتل” على أكثر من جبهة، إضطّر لأن يخصّص وقتًا لمصالحة
من هما مبدئيًا في “المحور الممانع” نفسه، وفي ذات خندق
المواجهة مع “القوات اللبنانية”، وهو سعى إلى لملمة
صفوف 8 آذار حتى يكتمل المشهد الإنتخابي بكل تعقيداته وتحدياته،
وتصبّ النتائج النهائية التي ستفرزها صناديق الإقتراع في مصلحة المشروع الذي يسعى إليه “حزب الله”.
في المقابلة التلفزيونية التي تلت مهرجانه الإنتخابي في “الفوروم”
قال النائب باسيل إن البطريرك الراعي لم يحاول أن يجمعه بفرنجية، وكأنه أراد بذلك أن يبدي ملاحظتين:
الأولى، أن البطريرك الماروني لم يبادر إلى جمع إثنين
متخاصمين من أبناء رعيته في محاولة منه لغسل القلوب.
والملاحظة الثانية التي أراد أن يوصلها إلى الأقربين والأبعدين
هي أن السيد حسن قادر على جمع ما لا يُجمع. وبذلك يكون
باسيل قد أصاب عصفورين بحجر واحد. فمن جهة يكون قد
صوّب سهامه ضد سيد بكركي و”إفهامه” بأنه لا يستسيغ كثيرًا
مواقفه السياسية، وفي الوقت نفسه يكون قد ردّ لنصرالله “الجميل”
لوقوفه أولًا إلى جانب تياره في معاركه الإنتخابية في كل الدوائر،
وثانيًا لإقناعه الرئيس نبيه بري بالتحالف معه في بعض الدوائر.
وهذا ما بدا واضحًا في خطاب “الفوروم”، حيث تقصّد باسيل
مهاجمة الجميع تقريبًا ما عدا حركة “امل” ورئيسها، إذ إن للضرورة أحكامًا.
قريبون من الصرح البطريركي رأوا في كلام باسيل بعضًا من التجنّي
على الدور التوفيقي الذي يقوم به البطريرك الراعي، وهو الذي
جمع في أول مبادرة له فور تسّلمه مقاليده الكرسي البطرسي الأقطاب الموارنة الأربعة: الرئيس أمين الجميل، جبران باسيل وسليمان فرنجية وسمير جعجع،
وحاول التوفيق بينهم، لكن عمق هوة الخلافات الشخصية بينهم حالت
دون إتمام المصالحة التي كان يسعى إليها البطريرك، علمًا أنه بارك
لاحقًا المصالحة التي تمّت بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”،
وكذلك فعل يوم تقارب كل من “القوات” وتيار “المردة”. ويختم هؤلاء بالقول:
المثل الذي يقول إن الكنيسة القريبة لا تشفي ينطبق في شكل لا يحتمل اللبس
على لقاء حارة حريك. ملاحظة أخيرة: السيد حسن نصرالله لا يتحرّك إلا وفق الإستراتيجية
التي تصبّ في مصلحة مشروعه السياسي. في المقابل لا يتحرّك الآخرون
أيضًا إلا على إيقاعهم الخاص، فيما البلاد سائرة “على ما يقدّر الله”.