قَدَّمَ وزير الطاقة السابق ريمون غجر اتفاقية استيراد مليون طن من الفيول أويل العراقي، بطريقة غامضة تشوبها التكهّنات، لتضاف العملية إلى سلسلة الصفقات التي احترفتها وزارة الطاقة. والمضحك أن الفيول العراقي ساهَم نظرياً بزيادة التغذية بمعدّل 4 ساعات يومياً، لكن الناس لم تلحظها، فبقي التقنين سيّد الموقف والعتمة صاحبة السيادة في بعض المناطق. على أن جديداً طرأَ على القضية، وهو التلويح بتراجع العراق عن الاتفاق، وبالتالي حرمان لبنان من الكهرباء المفترضة. فأين هي الحقيقة؟
الاتفاقية بالأرقام
الفيول أويل العراقي لا يمكن استعماله مباشرة في المعامل، لذلك يتم معالجة المليون طن لتتحوّل إلى نحو 750 ألف طن من الغاز أويل المناسب للمعامل. وفي أيلول 2021 وصلت أول شحنة من الغاز أويل وانقسمت بين معمليّ الكهرباء في دير عمار والزهراني.
ترافق وصول الشحنة الأولى مع التساؤل حول زيادة ساعات التغذية. وتطابق الواقع مع كلام غجر الذي أكّد أن الفيول العراقي لن يزيد ساعات التغذية، ويجب الاعتماد على سلفات الخزينة لشراء كميات إضافية من الفيول.
وفي جميع الأحوال، فإن الشحنات العراقية لا تكفي لأكثر من 4 أشهر إذا ما احتُسِبَت وفق الحاجة السنوية للفيول. فلبنان يحتاج إلى نحو 3 مليون طن سنوياً. والاتفاق مع العراق يرشح عنه 750 ألف طن. واذا احتسبنا التفاوت في ساعات التغذية بين الصيف والشتاء وتقلّبات ساعات التقنين بين المناطق، قد يمدّ الفيول حجم خدماته إلى ما لا يزيد عن 7 أشهر. وهذا ما يحيل إلى كلام النائب حسين الحاج حسن، الذي أكّد في آذار الماضي أن “الفيول العراقي ينفد آخر هذا الشهر”. ولمزيد من التفاؤل، قد تمتد مفاعيل الشحنة إلى نحو 10 أشهر. فكميات الفيول في كل شحنة واردة إلى لبنان تتراوح بين 30 إلى 35 ألف طن، تصل بين أسبوع إلى أسبوعين. وبالاعتماد على أقصى احتمالات الكميات والأيام، لا يتعدّى حجم الغاز أويل الصافي، الـ10 أشهر.
الانسحاب العراقي
بالاعتماد على الأرقام، ظهرت تسريبات على مواقع التواصل الاجتماعي تقول بأن العراق يتّجه للانسحاب من الاتفاقية. ولا تقدّم التسريبات أيّ أسباب موجبة.
لا تصريحات رسمية عراقية في هذا الشأن، بل إن مصادر عراقية متابعة للملف، أشارت لـ”المدن” بأن “لا كلام مسموعاً في العراق حول الانسحاب من الاتفاقية”. ويترافق ذلك مع تأكيد مصادر مقرّبة من وزير الطاقة وليد فيّاض، بأن “الاتفاقية مستمرة ولا انسحاب لأي طرف منها. وما يقال في مواقع التواصل ليس سوى شائعات”. وإلى جانب تأكيد الالتزام بالاتفاق، لا تقدّم المصادر معلومات حول تفاصيل ما وصلت إليه عملية استيراد الفيول واستبداله. فالأرقام الفعلية ما زالت غامضة. أما المديرية العامة لمنشآت النفط، فتنخرط مع الوزارة في التكتّم وعدم التجاوب، رغم استفسارات “المدن”.
التجديد وارد؟
الاتفاقية مرتبطة بكميات محدّدة من الفيول ولدى استهلاكها تصبح الاتفاقية بحكم المنتهية الصلاحية، إلاّ في حال تجديدها، وهو ما لفت النظر إليه السفير العراقي حيدر البراك، إذ قال تزامناً مع زيارة وفد عراقي إلى لبنان منتصف آذار الماضي، أن “زيارة الوفد هي للتأكيد على ضمان تجديد اتفاقية الخدمات مقابل النفط قبل انتهاء المدة في شهر أيلول المقبل”.
وإذا كانت الاتفاقية محصورة بمدة زمنية وبكميات واضحة، فالتراجع عنها غير مجدٍ. والتراجع الأنسب هو عن تجديدها، خصوصاً وأن الخدمات التي سيحصل عليها العراق ليست ذات قيمة في ظل الانهيار الحاصل للخدمات الاستشفائية وقدرة المرافق العامة والقطاعات الانتاجية على تقديم ما لديها، ما يجعل قيمة الخدمات فارغة مقابل الفيول.
وبعيداً من احتمالات التجديد أو عدمه، فالكهرباء لا تعرف طريقها إلى المنازل والمؤسسات، ما يجعل الفيول العراقي الحالي أو المستقبلي، لزوم تشغيل المعامل في حدّها الأدنى فقط، من دون انتاج فعلي يقي المواطنين شرّ فواتير المولّدات الخاصة. وهذا ما يجعل النقاش حول التراجع عن الاتفاقية أو تجديدها، بلا جدوى تُذكَر.
المصدر: الوزارة تتكتّم والأرقام تكشف: حقيقة اتفاقية الفيول العراقي
خضر حسان-المدن