غادرت لبنان في ١ نيسان ١٩٨٢، وعدت في ١ نيسان ٢٠٢٢، أي بعد ٤٠ عاماً، لأجد لبنان أسوأ مما كان في عز الحرب يوم تركته وهاجرت”، تقول المغتربة العائدة بزيارة سريعة من البرازيل، متحسرة على واقع البلد وما وصلت اليه أحوال الناس من فقر وعوز لم يعرفوه في زمن المدفع والحرب.
هذه اللبنانية التي تركت لبنان قبل شهرين من الاجتياح الاسرائيلي، لا تسعفها الكلمات اليوم لتعبّر عن حزنها وهي ترى بلدها الأمّ ينهار يينما الجميع شركاء في انهياره، مسؤولين وشعباً، تماماً كما حصل في ذاك النهار المشؤوم من ربيع ١٩٧٥.
تطل ذكرى ١٣ نيسان هذا العام والمأساة تتكرر ولكن بوجه اخر، فاذا كانت الحرب الأهلية قد دمرت الحجر وخطفت خيرة أبناء البلد، فان حرب هذه الأيام تدمّر كل طاقة حيّة في هذا الوطن، تدمّر شبابه وتتركهم فريسة الهجرة القسرية، تدمّر جامعاته التي كانت مقصداً للمنطقة وتفقده المستوى التعليمي العالي وتحوّله الى بلد متخلّف، تدمّر مستشفياته وتجعل الصحة فيه من الكماليات والطبابة للأغنياء فقط.
وأما مرفأه، صلة الوصل الاقتصادية والتجارية بين الشرق والغرب، فقد تدمّر أصلا لصالح صعود مرافئ أخرى طامحة منذ عقود لترث بيروت واشراقتها ودورها.
تطلّ ذكرى ١٣ نيسان ولم يتغيّر شيء بعد في ثقافة اللبنانيين، ففي زمن الحرب كانوا رعايا طوائف، ولا زالوا هكذا في زمن جهنم. وفي كلَي العهدين يرتضون لأنفسهم ان يكونوا الوقود.
ففي ١٣ نيسان كان اللبنانيون الوقود لحروب الاخرين ولا زالوا.
في ١٣ نيسان شهدوا على دمار وطنهم امام أعينهم، تماماً كما يفعلون اليوم.
في ١٣ نيسان غرق اللبنانيون بلعبة المحاور وكانوا ساحتها، وهكذا يفعلون اليوم.
الفارق الوحيد، أن اللبنانيين ماتوا فعلاً في ١٣ نيسان وأما اليوم فهم يموتون أحياء ويشهدون على كل ما أحبوه يلفظ أنفاسه الأخيرة من حولهم.
لم تعد ذكرى ١٣ نيسان تجدي نفعاً ولم يتعلّم اللبنانيون شيئا، لا في الحرب ولا في السلم ولا في المجاعة.. ولا حتى في جهنم.
اللبنانيون يرتضون كل ما يعيشونه ويتأقلمون، هذه مصيبتهم الكبيرة، ولن يكون الدليل ببعيد ليثبت هذا الكلام.. وصبيحة ١٦ ايار المقبل ستكون خير دليل.