يبدو أنّ “حاكم مصرف لبنان” رياض سلامة استعجل في تعبيد الطريق أمام السلطة لبلوغ الانتخابات النيابية. الأموال التي صرفها منذ بداية السنة إلى اليوم من أجل ضبط سعر الصرف، وبالتالي لتمرير هذا الاستحقاق، ما عادت تكفي لتوصلنا إليه بسلاسة وهدوء وسلام.
تشير أرقام التداول اليوميّة لمنصّة “صيرفة” العائدة إلى مصرف لبنان إلى انخفاض ملحوظ في حجم التداول بالدولار، وذلك منذ بداية الشهر الحالي. مع العلم أنّ ما أنفقه المركزي منذ بداية شهر شباط إلى اليوم (3 أشهر ونصف) يزيد، بحسب التقديرات، على 1.5 مليار دولار، أي يزيد على نصف ما يدرس صندوق
النقد الدولي منحنا إيّاه في خلال 48 شهراً.
انخفض حجم التداول على منصة “صيرفة” من 80 و90 مليون دولار، وفي بعض الأحيان 100 مليون دولار، إلى ما معدّله نحو 65 مليون دولار يوميّاً، وفي بعض الأيام أقلّ من ذلك بكثير، خصوصاً منذ بداية شهر نيسان. هذا يعني أنّ مصرف لبنان ما عاد يبيع اللبنانيين إلاّ ما معدّله 30 مليون دولار يوميّاً، على
اعتبار أنّ رقم البيع يعادل تقريباً نصف حجم التداول (البيع نفسه يُحتسب شراءً في المقابل).
يضاف إلى ذلك أزمة القمح المستجدّة، واشتراط المجلس المركزي لمصرف
لبنان الحصول على موافقة خطيّة من مجلس الوزراء، بحسب معلومات “أساس”، من أجل أن يدعم الطحين من دولارات حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، أو من التوظيفات الإلزامية. وهذا أيضاً يشير إلى أنّ مخزون المصرف المركزي من الدولارات بات في الحضيض!
إذاً، بدأ المصرف المركزي بـ”التخلّي التدريجي” عن فكرة التدخّل في السوق من أجل حماية الليرة والحفاظ على سعر صرفها عند حدود 20 ألفاً كما كان الحال مع بداية السنة. دفع هذا التخلّي التجّار والمستوردين إلى العودة إلى “السوق السوداء” طلباً للدولارات، ولعلّ هذا ما يبرّر ويفسّر ارتفاع الدولار إلى ما يقارب 25 ألف ليرة في اليومين الفائتين. وهو رقم سبق أن رآه سعر الدولار خلال الصيف الفائت، ويبدو أنّ العودة إليه “مقدّرة” على اللبنانيين.
تبرير لـ”المركزي”؟
يعتبر خبراء في الشأن المصرفي أنّ “إمساك” الدولارات الذي يمارسه مصرف لبنان “مبرَّر” إلى حدّ بعيد. وقد لا يتعلّق بعدم قدرته على التدخّل فحسب. فالحرب الروسية ضدّ أوكرانيا تسبّبت بتضخّم ملحوظ في أسعار السلع عالمياً، بدءاً بأسعار المحروقات والغاز، وصولاً إلى أصغر سلعة استهلاكية مستورَدة.
عليه، ما عاد مصرف لبنان قادراً على التدخّل من أجل الدفاع عن هامش الـ20 ألفاً للدولار الواحد. لهذا وجد في “مبرّرات الحرب الأوكرانية” ما يغطّيه من أجل الإحجام عن التدخّل بالزخم نفسه. بالتالي ليست الآلاف الأربعة أو الخمسة الطارئة، التي زادت على سعر صرف الدولار، إلاّ هامشاً طبيعياً لهذا التضخّم.
يُضاف إلى الحرب الروسية الأوكرانية عامل آخر يتعلّق بـ”عشوائية القيود” التي تفرضها المصارف على عملائها، وبالـ”لا تنسيق” بين المصارف نفسها من جهة، وبينها وبين مصرف لبنان من جهة أخرى.
يقول مصدر مصرفي لـ”أساس” إنّ مصرف لبنان لا يتساهل مع المصارف أبداً في عملية قطع الحسابات بموجب التعميم 161. فكلّ دولار يبيعه مصرف لبنان للمواطنين عبر المصارف، يطالبها به كاملاً بالليرة اللبنانية يوماً بيوم. وإذا قصّر مصرفٌ في دفع هذه الليرات، يعمد المركزي إلى حسمها من الكوتا الشهرية المخصّصة له، والتي هي بدورها باتت متواضعة ولا تلبّي احتياجات المصرف لسدّ حاجات عملائه. ما دفع بعض المصارف نحو شراء الليرات اللبنانية لقاء عمولة 10% و15% و20% يضعها في حسابات عملائه.
سقوط التعميم 161؟
يوم فتح مصرف لبنان سقف التعميم 161 وأجاز لجميع المواطنين
الحصول على الدولارات من المصارف مقابل ليراتهم اللبنانية، كانت
المصارف في حينه متعاونة، وكانت الليرات تدخل إلى مصرف لبنان
بأحجام كبيرة. ساهم هذا الإجراء في خفض سعر صرف الدولارات من نحو 34 ألف ليرة للدولار الواحد إلى قرابة 20 ألفاً في أسابيع.
بعدها عاد الدولار إلى الارتفاع على الرغم من عودة السوق إلى حال “العطش
” للّيرات اللبنانية. حتّى المصارف نفسها لم تعد متعاونة، وصارت تتلكّأ
في شراء الدولارات لمصلحة عملائها بموجب التعميم. وترمي الحجج وتقذفها على مصرف لبنان لناحية أنّه “يتأخّر
في دفع الدولارات”: تارة تفرض على العميل احتجاز 10% من قيمة
المبلغ لديها، وتارة أخرى تدفعها بالتقسيط على دفعتين أو
أكثر، وكلّ مصرف يتصرّف على هواه وبما يناسبه بلا حسيب ولا رقيب.
يقول مدير فرع أحد المصارف المحليّة في اتصال مع “أساس” إنّ إدارة
المصرف حيث يعمل قد أخطرته بأنّ نسبة حجز الأموال المخصّصة لشراء الدولارات
بموجب التعميم 161، قد رُفعت قبل أيام من 10% إلى 20%، وأنّ المبلغ بالليرة
اللبنانية يودع في المصرف مسبقاً على أن تُدفع دولاراته بالتقسيط على 3
دفعات، وأنّ شراء الدولارات غير مضمون. ويكشف هذا المدير أنّ “من بين
نحو 20 عميلاً قد لا نتمكّن من شراء الدولارات إلاّ لـ3 أو 4 عملاء فقط”.
دفعت الناسَ هذه الفوضى في سلوك مصرف لبنان والمصارف على السواء،
إلى أن يتردّدوا قبل التوجّه إلى المصرف من أجل شراء الدولارات عبر “صيرفة”
(عدا المحظيّين طبعاً). لهذا باتت عمليّات شراء الدولارات تعتمد أكثر فأكثر
على الصرّافين. وهذا ما يتسبّب برفع سعر الصرف.
أمّا مَن يهوى الصيد في الماء العكر، فيذهب أبعد من ذلك مستعيناً بـ”نظرية
المؤامرة” لرسم السيناريوهات. فيعود إلى قرار الهيئة الاتّهامية أمس الأول
الذي قضى بخفض بدل كفالة شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رجا
سلامة، من 500 مليار إلى 200 مليار ليرة. ثمّ يحتسب صرفها في المرّة الأولى على دولار 23
ألفاً، ثم على دولار 27 ألفاً، فيجد أنّ الفرق هو 1.2 مليون دولار. ثمّ يقول: إنّ بعض الظنّ إثم.
عماد الشدياق – اساس ميديا
للمزيد من الاخبار الرجاء الضغط على الرابط التالي