بقلم عزة الحاج حسن – المدن
مع تعثّر الاقتصادات العالمية عقب انتشار فيروس كورونا في العامين السابقين، ارتفع الإقبال على الاستثمار بالذهب كأكثر الملاذات أماناً. وليس لبنان بمعزل عن تلك الاقتصادات،
فمع انهيار العملة الوطنية وتعثّر القطاع المصرفي ومعه باقي
القطاعات الاقتصادية، بات الإدخار بالذهب أكثر الإدخارات
جذباً للبنانيين. هذا الواقع رفع مستوى الإقبال على
شراء الذهب عالمياً ومحلياً، لاسيما الذهب غير المُصاغ.
وبالنظر إلى ازدهار تجارة الذهب، بخلاف معظم التجارات في لبنان
في المرحلة الأخيرة، باتت أسواق الذهب محط اهتمام التجار والمهرّبين،
لا سيما المزوّرين منهم، وبدأت احتمالات تزوير الذهب أو استيراد الذهب
المزوّر تتزايد. وقد سبق لمديرية الجمارك في مطار بيروت أن ضبطت في شهر تشرين الثاني
من العام 2020 مستوردات من سبائك الذهب المزوّرة. لكن ما هو مُستغرب
أن الترويج لتلك العملية والتحذير من السبائك المزوّرة لاقى رواجاً في الأيام القليلة الماضية. لماذا؟
تجدّد التحذيرات من التزوير
راسلت الجمارك في ذلك الوقت شركة بوغوص ش.م.ل. المتخصّصة
بصناعة المجوهرات، لإبداء رأيها بالقطع المزوّرة المضبوطة في المطار.
فكان جواب الشركة جازماً بأن القطعة مزوّرة
فعلاً ومشغولة بحرفية عالية جداً، وتبيّن لشركة بوغوص أن السبيكة
المعنية عبارة عن قطعة معدنية مغطسة بالذهب تأخذ لونه، مصنوعة
من النحاس مع نسبة من النيكل والزنك ومعادن أخرى.
عملية ضبط تزوير السبيكة الذهبية تمت عام 2020، غير أن الترويج
لها في لبنان بدأ منذ قرابة عشرة أيام. وبشهادة أحد تجار المجوهرات
بسام عكنان في حديث إلى “المدن”، فإن تجار المجوهرات ونقابة اصحاب
محال المجوهرات يحذّرون منها منذ أيام، بعد تداول صورها وتفاصيلها على
إحدى مجموعاتهم على تطبيق واتساب، التابع للمحال المرخصة من نقابة تجار المجوهرات
فما هي مواصفات القطعة الذهبية المزوّرة؟ ولماذا يتم الترويج لها حالياً،
علماً أن ضبطها جرى عام 2020؟ وكيف يمكن للمواطنين المدّخرين للذهب تجنب الوقوع ضحية التزوير؟
مواصفات السبيكة المزوّرة
إن مقاسات السبيكة المزوّرة هي عينها مقاسات الأونصة الذهبية الحقيقية،
عدا سماكتها
التي هي مضاعفة.
إذ أن الوزن النوعي Density للذهب هو 19.28 غ/سم3، بينما هو للنحاس هو 8.96 والمعادن الأخرى أقل من ذلك،
ما يجبر المزوّر أن يضاعف سماكتها كي يحافظ على وزن الأونصة الذهبية عينه،
وهي مصنوعة بمهنية رفيعة وتقنية عالية جداً كي ينطلي الاحتيال على الصاغة
العاديين الذين لا يلاحظون سماكتها ضمن ختم البلاستيك.
اختار المزوّرون
تزوير أونصة الذهب
من أهم الماركات السويسرية P.A.M.P. من وزن 31.1 وعيار 24 قيراط، باعتبارها ثاني أكثر قطعة ذهبية تداولاً حول العالم، ويتم تسعير الذهب في البورصة العالمية وفقاً لهذه القطعة.
ونظراً لتزوير السبيكة بشكل محترف وصعوبة ضبطها من قبل شخص
غير متخصص بصناعة المجوهرات، ينصح أكثر من تاجر للمجوهرات
المواطنين بعدم شراء قطعة ذهبية من أفراد، وحصر عمليات الشراء
بالشركات ومحال المجوهرات المرخّصة، مع التشدد بالحصول على
فاتورة تثبت مصدر القطعة الذهبية، حفظاً لحق الزبون في حال الوقوع ضحية التزوير.
بين وزارتي الاقتصاد والصناعة
على الرغم من أن عملية ضبط السبائك المزوّرة منذ قرابة العام ونصف العام،
إلا أن الترويج لها حالياً يطرح علامات استفهام، ويستدعي التشدد بمراقبة الأسواق، والتيقظ لجهة الوقوع
ضحية الذهب المزوّر. وقد راجعت “المدن” وزارة الاقتصاد والتجارة
ووزارة الصناعة فلم يكن في بداية الأمر لدى المعنيين أي علم بالأمر،
حتى أن مدير عام وزارة الصناعة داني جدعون أوضح أن لا علاقة لوزارة الصناعة بالقضية،
بل هي وزارة الاقتصاد المعني الأول بمساءل الموازين
والغش والخداع وحماية المستهلك. في المقابل أصرّ مدير عام وزارة الاقتصاد
محمد أبي حيدر على أن مسألة التحقق من الذهب المغشوش تعود إلى وزارة الصناعة
وليس وزارة الاقتصاد، باستثناء في حال تم التقدم بشكوى من قبل احد المتضررين
من الذهب المغشوش، بمعنى في حال تعرّض المستهلك للغش.
وبين وزارتي الصناعة والاقتصاد من سيحمي المواطنين ويجنّبهم الوقوع ضحية الذهب المغشوش أو المزوّر؟
أهمية وخطورة الأمر استدعت من مدير عام وزارة الصناعة
داني جدعون إيلائها الاهتمام اللازم، فتواصل مع المعنيين
في نقابة أصحاب محال المجوهرات والمديرية العامة للجمارك،
وتحقّق من أن عملية الضبط جرت عام 2020. ولأن القضية يجري الترويج
لها حديثاً، أكد جدعون متابعته للملف بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد،
لتجنيب السوق الوقوع ضحية عمليات تزوير الذهب، علماً أن الترويج
لمسألة السبائك المزوّرة في هذا الوقت غير مفهوم وغير مبرّر.
لكنه بالطبع يطرح علامات استفهام تستدعي أخذ الحيطة والحذر.