كتبت جويل رياشي في “الأنباء” الكويتيّة:
يتزامن موسم الانتخابات البرلمانية المقررة في 15 أيار المقبل مع ضائقة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخ البلاد الحديث، قد تحول دون تمكين عدد لا بأس به من المقترعين من القيام بواجبهم في يوم الاقتراع، بسبب مصاريف النقل الباهظة للوصول الى قراهم ومسقط رأسهم.
وفي مقابل هذه الضائقة، سجلت للدورة الانتخابية الحالية «طفرة» من المرشحين توزعوا على لوائح قياسية العدد بلغت 103 لوائح، محطمة الرقم المسجل في دورة 2018
بعيدا من السياسة والحماوة الانتخابية المعهودة، تحمل هذه الدورة الانتخابية، كسابقاتها، «بحبوحة» لجمهور لا بأس به من المقترعين، في ضوء «اندفاعة» المرشحين المنتمين إلى لوائح أساسية لتقديم الخدمات، على طريقة إقران الوعود بالأفعال، أقله في فترة العد التنازلي لفتح الصناديق.
وتتوزع المساعدات بين الأفراد والبلديات، مثل تسديد أقساط مدرسية عن عائلات متعثرة، ودفع فواتير استشفاء، إلى تعبيد طرقات فرعية وبناء حيطان دعم، وتأمين جرافات صغيرة لفتح طرقات أقفلتها الثلوج، إلى تأمين مادة المازوت للمولدات البلدية، فتعبئة سيارات عدد من المواطنين بمادة البنزين في الزمن الأصعب بتاريخ البلاد.
هي مساعدات وليست رشوة انتخابية، وفق إدارات المدارس والمستشفيات التي تصدر بيانات تشكر فيها أصحاب «الأيادي البيضاء»، وبعضها يؤمن مساعدات سنوية دورية، إلا أن القسم الأكبر يندرج في الفترة الانتخابية.
وتستهدف المساعدات أيضا جماهير من الكتل الناخبة، عبر تأمين خدمة النقل يوم الاقتراع إلى البلدات البعيدة، سواء بتوفير سيارات أجرة، او تقديم قسائم محروقات مدفوعة الثمن، ولا يفوت غالبية المرشحين شراء المحروقات من أصحاب محطات يقترعون في دوائرهم الانتخابية.
سريعاً، انتشرت حكاية أحد رجال الأعمال المقيمين في الخارج لجهة تقديم مادة البنزين لمواطنين لا يعرفهم وقد يكونون من غير المقترعين في دائرته الانتخابية، وقت تمضيته فترة انتظار غسيل سيارته على عدة محطات في قضاء جبيل، وكان يوعز الى أصحاب المحطات بتعبئة خزانات الوقود كاملة لأصحاب السيارات الذين يختارون التعبئة بمبالغ قليلة «والحساب عليّ أنا»، ثم يمضي من دون أن يعرف المستفيدون هويته.
وشملت المساعدات أيضا تأمين أدوية بتوفيرها مع تسديد ثمنها، علما
ان البلاد تشهد انقطاعا لقسم كبير من الأدوية، خصوصا تلك الخاصة
بالأمراض المزمنة، من ارتفاع الضغط والكولسترول والسكري وعلاج الجهاز
الهضمي وأمراض المسالك البولية، ويستهدف المتبرعون المستوصفات
في البلدات والقرى، ومنهم من يقدم الأدوية مباشرة عبر مكاتبه الانتخابية المنتشرة كل حسب دائرة اقتراعه.
جانب آخر من المساعدات يقوم على تأمين وظائف مدفوعة في الفترة
الانتخابية كتسجيل مندوبين للمرشحين ثابتين في مراكز الاقتراع وجوالين
ضمن الدائرة الانتخابية، مع ما يرافق ذلك من بدل إضافي لمن يختار تسجيل سيارته مقابل نيل مبالغ مالية.
وفي هذا السياق، يمكن تبيان القوة الانتخابية لكل مرشح او لائحة انتخابية،
من خلال عدد المندوبين المسجلين، اذ يقترع هؤلاء مع أفراد عائلاتهم في
الدوائر الخاصة بالمرشحين الذين يعملون لديهم بـ «المقطوعة».
ويمكن ملاحظة وجود عدد لا بأس به من الممولين في اللوائح الرئيسية المنافسة،
مع اعتماد مبدأ «اللعب النظيف» لجهة الإنفاق الانتخابي، ذلك أن التبرعات غير مدرجة
في برنامج الانفاق الانتخابي المالي للمرشح. وبالطبع لم تغب المساعدات التي تتضمن
حصصا غذائية، وهذه خطوة لجأ اليها مرشحون قبل الفترة الانتخابية، وتحديدا وقت إقفال
البلاد أثناء فترة الذروة من تفشي فيروس كورونا.
وسائل ترغيب لم تحجب ما يردده البعض وضمن «الاتهامات الانتخابية» ع
ن وسائل تهديد، وتكثر الأحاديث عن صناعيين مرشحين للانتخابات مارسوا
ضغوطا ناعمة على الموظفين العاملين لديهم، وتردد أن أحدهم صارح
موظفيه العاملين في مصانعه الكبرى متمنيا عليهم «أن تتحملوني في
هذا اليوم، في مقابل وقوفي إلى جانبكم في مراحل حياتكم العملية»،
ونسب البعض كلاما إلى المرشح المذكور تضمن عبارات تناول فيها
«تكدس الآلاف من طلبات التوظيف في مكاتب الموارد البشرية» التابعة لشركاته.
في المحصلة، فإن يوم الانتخاب سيمرّ كما حصل دائما، وسيطوي
الفائزون الكلام عن المساعدات، في حين سيلجأ من لن يحالفهم
النجاح إلى الحديث المعتاد عن «قلة الوفاء» و«عدم الالتزام» من قبل من تلقوا منهم مساعدات.