من دون أدنى شك، شكّلت عودة السّفير السعودي وليد البخاري
إلى بيروت انطلاقة جديدة للعلاقات الدبلوماسيّة بين لبنان ودول الخليج، في الوقت الذي تتجهُ فيه الأنظار نحو كيفية تعاطي المملكة العربية السعوديّة مع الاستحقاق الانتخابيّ في 15 أيار المقبل.
في الواقع، فسرت الكثير من الأطراف عودة السعودية على أنها بمثابةِ تدخّل في الشؤون الانتخابية، إلا أن ما تبيّن هو أن الأمر أبعد من ذلك بكثير. وهنا، فإنّ المراجع
الدبلوماسية والسياسية تتحدّث عن دور سعوديّ كبير لمنع
انهيار الدولة في لبنان، وهو الأمر الذي تقول المصادر عنه
أنه جرى الاتفاق عليه بين الفرنسيين والأميركيين ودول الخليج.
حالياً، فإنّ ما يتضح عبر الإشارات الصادرة من المحيط الإقليمي
هو أنّ المنطقة متجهةٌ نحو تسوية كبيرة، ما يعني أن “الصّدام” مستبعد بين مختلف الأقطاب، وتحديداً بين
الإيرانيين والسعوديين. في هذه الحالة، فإن لبنان سيتلقى
الآثار الإيجابية لتلك التسوية، ما سيجعلهُ يؤسس لمرحلة
جديدة قائمة على التفافٍ عربي حوله، على أن تكون الانتخابات النيابية محطّة فاصلة.
ما هي التسوية وكيف سيتأثر لبنان بها؟
تنقلُ مرجعية سياسية وازنة عن مصادر دبلوماسية
عربيّة قولها إن “هناك مساعٍ لترتيب لقاءٍ قريب بين
رئيس الاستخبارات العامّة السعودية خالد الحميدان
مع مدير مكتب الأمن الوطني في سوريا علي المملوك”
في حديثها عبر “لبنان24”، تشير المرجعية السياسية إلى
أن “اللقاء هذا سيجري بناء لوساطة تقوم بها سلطنة عُمان،
في الوقت الذي لا يُمكن فيه إغفال دور الإمارات العربية
المتحدة التي تقومُ بدور فعال في تقريب وجهات النّظر بين مختلف الأفرقاء، وتحديداً بين السعوديين والسوريين”.
بشكل أو بآخر، فإنّ التقارب السعودي – السوري المرتقب،
سينعكسُ بقوة على الأوضاع في لبنان، وتحديداً بعد الانتخابات
النيابيّة. كذلك، فإنّ تحليل المواقف والإشارات يكشف
أنّ المملكة تشدّد على التمسك بالسّلم الأهلي في لبنان
وسط الأزمة الاقتصادية والمالية، ما يعني عدم دخول أي
طرف في مواجهة مباشرة ضدّ “حزب الله” لأسباب عديدة: أولها أن الحزب لديه “مونة” على الحوثيين في اليمن أكثر من
الإيرانيين، كما أنه ساهم بشكل فعال عبر العُمانيين في
تأمين أحدث وقفٍ لإطلاق النار في اليمن، وذلك وفقاً للمرجعية السياسية.
وإنطلاقاً من كل ذلك، فإنّ الدور السعودي والخليجي في لبنان
سيتكثف بشكل كبير، وما الحديث عن وضع وديعة مالية خليجية
في لبنان إلا بمثابة دليلٍ على تكريس صمود الدولة
شرط تنفيذ الإصلاحات. وعند هذه النقطة، فإنّ ما ينكشف
هو أنّ هناك تمسكاً لدى مختلف الأطراف بعودة حكومة الرئيس
نجيب ميقاتي بعد الانتخابات، باعتبار أنها أرست أسساً مهمة في
الاتفاق مع صندوق النقد الدّولي على برنامجٍ للتعافي الاقتصادي.
مع هذا، فإن الأوساط الدبلوماسية والعربية لم تنكر دور حكومة ميقاتي في لجم الإنهيار، في حين
أنها تمكنت من إعادة تكريس علاقات لبنان مع دول الخليج بطريقة مدروسة لا لُبس فيها.
وبالعودة إلى حيثيات الإصرار العربي – الأميركي – الفرنسي على
منع انهيار الدولة في لبنان، فإنّ التفاصيل بهذا الشأن ترتبطُ بالتالي:
أولاً: عدم رغبة العالم العربي في انهيار لبنان باعتباره دولة تشكل
علامة فارقة بين الشطرين الآسيوي والإفريقي من العالم العربي.
ثانياً: إن انهيار لبنان سيكرّس دوراً لجماعات مسلحة قد تشكل تهديداً للمنطقة.
ثالثاً: أي نزاع مسلح في لبنان بسبب انهيار الدولة، سيُساهم
في تمدّد “حزب الله” وإحكام سيطرته على الحكم.
رابعاً: إنّ انهيار الدولة قد يسمحُ للمنظمات الفلسطينية بالتمدّد
من جديد باتجاه الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو الأمر الذي تخشاه إسرائيل.
خامساً: إن انهيار الدولة سيؤدي إلى تشكيل موجة نزوح سوري
وفلسطيني ولبناني باتجاه أوروبا، علماً أن الأخيرة ما زالت تعاني
من آثار النزوح السوري إليها، وبالتالي فإنها لن تحتمل هجرة جديدة.
بشكل عام، فإن الأساس في كل ذلك هو أنّ التهدئة ستتحقق
على صعيدٍ عام، ومن الممكن أن تضم التسوية التي تتحضر،
ملف رئاسة الجمهورية في لبنان لأن التداول به سيبدأ مباشرة
بعد الانتخابات النيابية.وهنا، فإنّ الأنظارَ ستكون على
شخصية قد تختارها التسوية لقيادة المرحلة الجديدة في
لبنان، وذلك بإجماع أميركي – فرنسي، وقبول عربيّ.
للمزيد من الاخبار الرجاء الضغط على الرابط التالي