ا شكّ أن “حزب الله” يخوضُ اليوم معركةً وجودية بكافة
المقاييس، إذ يعتبرُ الهجمة ضدّه كبيرة من مختلف الأطراف،
ما يحتّم عليه استنهاضَ كلّ القوى والحلفاء لخوض معركةِ البقاء
.
في الشكلِ والمضمون، بات “حزب الله” يُصعّد في خطابه
الانتخابي بشكل تدريجي، مستهدفاً أطرافاً سياسيّة على
أكثر من صعيد. إلا أنه في المقابل، فإنّ ما أضحى
ملموساً هو أن الحزبَ راح يُخفّف من نبرة المواقف
الموجّهة ضدّ المملكة العربية السعودية، وقد بدا
ذلك واضحاً بشكل كبير ضمن الخطاب الأخير
للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله
بشكل أو بآخر، يطرح هذا الأمر تساؤلاتٍ كثيرة
عن اصطفاف الحزب خلف خطاب “تهدئة” بالحدّ
الأدنى ضدّ المملكة، علماً أنه كان يصوّر خصومه
دائماً خلال المرحلة الماضية، على أنهم حلفاءٌ
للسعودية ويخوضون معركتها في لبنان.
بالدرجة الأولى، فإنّ ما كشفه السياقُ العام
وتحديداً خلال الفترة الأخيرة، يُظهر أمراً واحداً مفاده
أنّ المملكة لا تريدُ حرباً في لبنان، بعكسِ ما كان
يُشاع ضمن أوساط سياسية مقرّبة من الحزب. أما
الأمر الثاني فهو أنّ الانتخابات النيابية لا تشهدُ
تدخلاً للرياض لأسباب شتى، وهو الأمر الذي
أوضحه السفير السعودي وليد البخاري إبان
زياراته العديدة على المسؤولين السياسيين
في الواقع، فإنّ خطاب الحزب اليوم ضدّ السعودية
لن يصبّ بمصلحة لبنان، إذ جرى تحميله مسؤولية
تدهور العلاقات مع دول الخليج. مع هذا، فإنّ الخطابات
التصعيدية ضدّ هذه الفئة من الدول إنما سينعكسُ سلباً على الداخل اللبناني في مستويات عديدة، ما يجعل النقمة ضدّ الحزب متزايدة. وسط ذلك، فإنّ خطاب الحزبِ اليوم لا يمكن فصله أبداً عن المحادثات الإقليمية وتحديداً بين إيران والسعودية، في حين أن التلاقي السوري – السعودي
قريباً سيُحقق نقلة نوعية على الصعيد السياسي.
اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، يعتبرُ “حزب الله”
نفسه مُرتاحاً في معركته، وما عودة السعودية إلى لبنان سوى عامل مؤثر في ذلك. فعلى الصعيد السياسي، يُعتبرُ وجود المملكة ضمانة للطائفة السنية وعاملاً مساهماً في تجنيبها الانزلاق ضدّ أي معركة. وانطلاقاً من ذلك، فإن ما يتبين هو أنّ السعودية حفظت الطائفة من أتون فتنة، الأمر الذي كان سيضرب التوازن الداخلي بشكل حتمي
الأمرُ هذا تلقفه “حزب الله” عبر إشارات كثيرة، وقد استدرك تماماً أن العودة الخليجية إلى لبنان تساهم في حفظ السلم الأهلي، وبالتالي إبعاد الحزب عن معركة كانت ستُخاض ضدّه عبر الطائفة السنية، لأن هناك جهات كانت تسعى لأخذها إلى منحى بعيد عن السلم. وحتماً، فإنه لو بقيت السعودية خارج المشهد، لكانت المعركة وصلت إلى أوجها، لكن دخولها مجدداً أراح الساحة، وساهم في إبعاد “حزب الله” عن معركة كان يمكن أن يتم جرّه إليها عبر أفرقاءٍ كثر، قد تكون لديهم ارتباطات داخلية أو خارجية.
مع كل ذلك، فإنّ الحزب تيّقن عبر محادثاته مع الدول الإقليمية هو أنّ الهدف لا يكمن في إنهاء وجوده، وما المحادثات بين الدول إلا دليل على هذا الأمر. في المقابل، فإنّ عدم التعاطي “الإلغائي” مع الحزب لا يعني منحه القوة المتزايدة، وهو الأمر الذي دفع بالدول الغربية والأميركيين والفرنسيين لجعل الخليج يعود إلى لبنان، ومنع تمدّد “حزب الله” على أكثر من صعيد.
مع هذا، فإن ما أراح “حزب الله” أكثر هو أن غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد السياسي ساهم إلى حد كبير في تحييد معركة سياسية وانتخابية حادّة. فلو استمرّ “المستقبل” بمعركته، لكان الحزبُ سيتكلف أكثر في الرّد على الهجوم ضدّه، الأمر الذي سيزيد الخناق عليه انتخابياً، شعبياً ومناطقياً. كذلك، فإنّ غياب “المستقبل” عن الساحة الانتخابية لناحية التحالفات، ساهم في جعل الحزبِ “يسرح ويمرح” في دوائر انتخابية عديدة، حيثُ لا معارك جدية يمكن للخصوم الاستفادة فيها
.
وسط ذلك، فإنّ عدم التدخل السعودي المباشر لدعمِ مؤيدين لها بالمال، كان كفيلاً بتحييدهم، وبالتالي إضعاف حجتهم لخوض معركة ضدّ الحزب. وبحسب المعلومات، فإن هناك جهات سياسية كانت تسعى لأن تطلب من المملكة مبالغ طائلة من أجل استثمارها في الانتخابات النيابية ضدّ “حزب الله”، إلا أن طلباتهم لم تلقَ قبولاً لاعتبارات عديدة: أولاً أن المبالغ التي طُلبت هائلة وباهظة، وثانياً هو أنّ المملكة لا تريدُ أن تدفع أموالها في لبنان بمشاريع غير مُجدية. فبشكل أساسي، فإن السعودية تطالب اليوم بإصلاحاتٍ جدية وفعلية، والسعي دائماً يصبّ باتجاه استثمار أموالٍ لصالح الشعب اللبناني لا ضدّه.
في المحصّلة، فإنّ خطاب “حزب الله” سيبقى محدوداً ضمن الإطار السياسي الداخلي، ما يعني أنه لن يتفرّع باتجاه أقطاب الخارج وخصوصاً دول الخليج، لأن ما تبين هو أنّ هذه الجهة لا تسعى لصدامٍ بقدر ما تسعى لحفظ الدولة ومنعها من الانهيار عبر تحركات عديدة، أولها دبلوماسي وثانيها اقتصادي.
للمزيد من الاخبار الرجاء الضغط على الرابط التالي