باتت الانتخابات النيابية في لبنان أمراً واقعاً إلا إذا وقع حدث أمني كبير للإطاحة بها. إنها القناعة الراسخة التي بدأت غالبية القوى السياسية تتعامل معها على مسافة ثلاثة أسابيع من الموعد المقرر في 15 أيار. وبكثير من القلق تنظر الأطراف المناوئة لـ«حزب الله» وحلفائه إلى هذا الاستحقاق الذي قد يفوز «محور إيران» ليس على الأكثرية المطلقة، بل على أكثرية الثلثين التي تخوّله تغيير وجه لبنان.
من هنا يرى القيادي السابق في «تيار المستقبل» الوزير حسن منيمنة أن الانتخابات النيابية هي الأخطر على مستقبل لبنان وسترسم نتائجها صورة مختلفة عما عهدناه. وتدفع المخاطر، رغم التفهّم لموقف زعيم تيار المستقبل سعد الحريري بتعليق العمل السياسي، إلى الانخراط بقوّة في الاستحقاق وعدم الاعتكاف أو الانسحاب في اللحظة التي يُعاني فيها لبنان من حالة انهيار شبة كامل ومن تحديات سياسية جمّة.
لا أوهام كبيرة في قدرة القوى التي تُحب أن يُطلق عليها تعبير «القوى السيادية» على قلب الأمور رأساً على عقب. فاستعادتها للأكثرية البرلمانية التي شكّلتها يوم انضوت تحت عباءة قوى «الرابع عشر من آذار» ما عادت بالأمر السهل، ولا سيما مع إقرار «القانون النسبي» الذي يصفه الأستاذ الجامعي منيمنة بـ«القانون الشيطاني» ومع الخلل التي أحدثه خروج الحريري من المشهد السياسي وإمكانات حزب الله الهائلة معطوفة على سلاحه، ومع حالة الارتباك التي يعيشها اللبنانيون بين انشغالاتهم الحياتية اليومية وإدراكهم للمضمون السياسي للمعركة الانتخابية وأهميتها.
يعتبر منيمنة، الذي شغل منصب وزير التربية في حكومة سعد الحريري الأولى بعد انتخابات 2009 أن الهدف اليوم هو منع «حزب الله» وحلفائه من الحصول على أكثرية الثلثين، وذلك من خلال استحواذ القوى المناوئة لمشروعه على ثلث مقاعد البرلمان، ما يقطع الطريق أمام «الحزب» وحلفائه من الإمساك الكلي بالبلد والذهاب إلى إجراء تعديلات دستورية باعتماد «المثالثة» بدل المناصفة في الحُكم، وإلى تشريع «السلاح الميليشياوي» على غرار ما حصل في العراق مع «الحشد الشعبي» وإلى الإتيان برئيس جمهورية مطواعاً له.
هذه الواقعية السياسية تدفع بـ«القوى السيادية» إلى عدم «تكبير الحجر» وإلى الإعلان أن الانتخابات هي محطة في سياق المواجهة التي وإنْ بدأت بنسبة قليلة، فإن منسوبها سيرتفع مع تقدم الزمن من أجل إنقاذ البلد المنهار سياسياً واقتصادياً ومالياً واستعادة الدولة ومؤسساتها وحماية موقع لبنان في انتمائه العربي. لكن الأهم، وفق القيادي «المستقبلي» السابق المنغمس إلى جانب الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة وثلة من النخب المتنوعة في المعركة الوطنية، أن على اللبنانيين أن يقفوا ويُثبتوا للعالم كله أنهم يواجهون حتى يقف العالم معهم.
ما يتخوَّف منه منيمنة، الذي ترأس لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني بين 2014 و2021 أن الانهيار قضى على الطبقة الفقيرة، وسيقضي قريباً على الطبقة المتوسطة بكل فئاتها، وهو أمر يُنذر بارتفاع نسبة التذمّر وارتفاع الصوت والتحركات الشعبية، ما يهدد بانفجار اجتماعي كبير. وهنا نص الحوار:
○ لنبدأ من الحدث الأهم على الصعيد اللبناني ألا وهو الانتخابات النيابية المرتقبة بعد أقل من شهر، هل لديك مخاوف على السُّنة في لبنان عموماً وعلى بيروت خصوصاً، في ظل إعلان تيار المستقبل – الذي مثلته سابقاً كوزير للتربية- تعليق عمله السياسي؟
• لا شك أن الانتخابات المقبلة تُعدُّ من أهم وأخطر الانتخابات على الصعيد اللبناني لأنها تأتي في لحظة يُعاني فيها لبنان من حالة انهيار شبه كامل على الصعد كافة، الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية، وفي مثل هذه الحالات تكون الانتخابات إما رافعة للخروج من هذا الوضع، أو تكون عنصراً لشدّ هذا الوضع نحو الأسفل.
من حيث المبدأ، لا تختلف هذه الانتخابات من حيث الأهمية عن أي انتخابات أخرى لولا هذا الظرف الخاص الذي يمرُّ به لبنان. فكل الناس تشعر بمدى الانهيار اقتصادياً، كما اجتماعياً نتيجة ارتفاع مستوى نسبة الفقر التي – طبقاً لبعض الدراسات – وصلت إلى نحو 80 في المئة وهذا ظرف قاس. ومنذ البداية، كان موقفنا أنه رغم تفهمنا الكامل لموقف الرئيس سعد الحريري القاضي بتحييد نفسه عن الانتخابات والابتعاد عن خوضها ترشيحاً كما أعلن، وطلبه من الأعضاء الملتزمين بتياره تقديم استقالاتهم إذا أرادوا الترشّح، فأنه لا يجوز ترك هذه الساحة تعيش حالة من الفراغ تستغلها القوى التي نواجهها فعلياً، والتي نعتبرها المسؤولة الأولى والأساسية عن كل ما آلت إليه الأوضاع في البلد. وكان السؤال: ماذا نفعل حيال هذا الوضع؟ فإذا ابتعدنا فعلياً ولم نُشارك في الانتخابات فذلك معناه أن «حزب الله» بما يمثله على الساحة اللبنانية وبارتباطاته الخارجية، سيملأ هذا الفراغ، وبالتالي ستكون لديه الأكثرية المطلقة التي حققها في العام 2018 والآن يطمح للحصول على أكثرية الثلثين في المجلس المقبل والتي تخوّله، بكل بساطة، تعديل الدستور الذي ربما يذهب بنا إلى «المثالثة» أو غيرها من التعديلات، وتسمح له بتشريع سلاحه كما جرى في العراق من تشريع لسلاح ميليشيات «الحشد الشعبي» الذي أصبح جزءاً من المنظومة العسكرية العراقية، وأيضاً تسمح له بإيصال رئيس للجمهورية يكون مطواعاً وخاضعاً لتوجهاته وسياساته. هذه الأمور ستدمّر لبنان الذي نعرفه والذي نطمح له، وتُلحقه بالمحور الإيراني بشكل كامل وبغطاء شرعي بعد أن يكونوا قد وضعوا يدهم على السلطة الشرعية كاملة عبر الاستيلاء على أكثرية الثلثين في مجلس النواب الذي هو أهم مؤسسة تشريعية في البلاد.
هذا الأمر، أي وضع اليد على البلد، رأينا نتائجه في المرحلة الماضية، حيث شهدنا موقفاً دولياً شبه مُقاطع للبنان من خلال وقف كل أشكال الدعم للبلد بإغلاق منافذه. وشهدنا موقفاً عربياً متشدداً بعدما تمَّ تهديد مصالح الدول العربية انطلاقاً من لبنان، سواء أكان بالموقف السياسي المناهض لهذه الدول العربية وخاصة الدول الخليجية أم بتصدير المواد المخدرة إلى الخليج، بقصد الإضرار بمجتمعاتها، فكانت ردّة الفعل بوقف الاستيراد من لبنان المعروف باعتماده الكبير في هذا الموضوع على دول الخليج، بمعنى خسارة لبنان لكل علاقاته الدولية والعربية والتي يعتمد عليها في إنعاش حركته الاقتصادية وفي سد عجزه الاقتصادي بين فترة وأخرى. أمام هذه المخاطر، كيف يمكن لنا السماح بترك الساحة مفتوحة بالكامل وإعلان الاستسلام عملياً أمام هذه السياسات التي يُمارسها «حزب الله»، وأمام محاولته السيطرة بأكثرية الثلثين على المجلس النيابي. فالمسألة لا تنحصر بأسبوع أو أسبوعين، فدورة مجلس النواب عمرها 4 سنوات، وسيتم خلالها مع حزب كـ»حزب الله» بقدراته التنظيمية والسياسية والمالية والعسكرية تطويع لبنان بالكامل وتحويله إلى محافظة إيرانية، وهذا يُلحق بلبنان واللبنانيين أضراراً قد نحتاج إلى عقود للخروج من أتونها، لذلك كان التوجّه، أنه لا يجوز الاعتكاف رغم تفهمنا لموقف الحريري. في الأساس، أحد عناصر موقفنا بعدم الانسحاب هو أننا نواجه أيضاً الذين عطلوا سعي الرئيس سعد الحريري للإصلاح بعدما استقال، كدليل حسن نيّة، من مجموعة السلطة عقب انتفاضة 17 تشرين، وهو الوحيد الذي فعل ذلك، وقدَّم مشروعاً للنهوض، إنما تمَّت عرقلة هذا المشروع وعرقلة وصوله إلى رئاسة مجلس الوزراء مرة أخرى. نحن في هذه المعركة نواجه كل الذين عطّلوا خطوات الحريري ويُعطّلون من خلال ذلك كل أوضاع البلد، وبالتالي ليس أمامنا إلا خوض هذه المعركة الانتخابية لإثبات أنه ما زالت هناك قوة تريد أن تقول إنها حريصة على لبنان وعلى خصوصيات الوضع اللبناني، وحريصة على علاقاته وخاصة العربية منها، وحريصة على النهوض بالبلد. وهذا لن يتحقق إلاَّ بالحد من هذا النفوذ الواسع والمسعى بالسيطرة على البلد الذي يقوم به «حزب الله».
○ أنتم من المنخرطين في هذه المعركة عموماً، وتعملون لفوز لائحة «بيروت تواجه» المدعومة من رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، برأيك أين يصبُّ «مزاج» البيارتة الانتخابي؟
• البيارتة مثل الكثير من اللبنانيين، ولا يتعلق الأمر هنا ببيروت وحدها. اللبنانيون في السنوات الثلاث الأخيرة يعيشون حالة صدمة مع الانهيارات الحاصلة وخاصة الاقتصادية منها. اللبناني مشغول بتأمين رغيف الخبز وبضعة ليترات من البنزين وبضع ساعات من التغذية الكهربائية عبر المولدات وهو عاجز عن دفع كلفة هذه الخدمات، واللبناني يفتقد لكل قضايا العيش البديهية التي كان من المفترض أن تكون مؤمنة له. اللبنانيون في حالة صدمة نتيجة هذا التردي السريع والمروع الذي يعيشونه والخوف من المستقبل. ويدركون أنه إذا لم تكن هناك بداية لوضع حد لهذا الانهيار والتوجه لمعالجة الأمور الأساسية، فإن المستقبل القريب لا يُبشّر بكثير من الخير. هذه الأوضاع الإنسانية تضع اللبنانيين جميعاً أمام حال من فقدان الأمل. ولذا نرى في كل المناطق اللبنانية، وليس فقط في بيروت، لا مبالاة بالانتخابات النيابية خاصة وأن التجارب الانتخابية السابقة لم تؤدِ إلى ما يطمح إليه اللبناني من خلال نوابه، فبمجرد انتهاء الانتخابات تنتهي العلاقة بين النائب وناخبيه باستثناء بعض الخدمات غير المهمة التي يسعى إليها البعض (رخصة لتعتيم زجاج السيارة أو ما شابه)، أما المسائل الأساسية وخاصة التشريعية منها، فاللبناني لديه خيبة أمل من الأكثرية الساحقة من النواب الذين لم يقدموا أية خطوات فعلية لإنقاذ البلد وتحسين أوضاعه.
من هذا المنطلق نرى عدم الحماسة والشجاعة للإقبال على العملية الانتخابية. ولكن فعلياً بعد محاورة الناس وطرح السؤال: ما العمل بعدما وصلنا كلنا إلى هذا الوضع؟ وكيف نواجه؟ أمام هذا الوضع، لدينا خياران لا ثالث لهما: إما أن نُعلن عجزنا عن القيام بشيء، نستسلم ونجلس في بيوتنا ونترك الساحة فارغة للآخرين الذين تسببوا بهذه المشاكل وانقضّوا بشكل كامل على السلطة ويديرون البلاد حسب رغبتهم ورغبة من يدفعهم في الخارج، وإما أن نقول لا، ونُظْهِر أن الشعب اللبناني ما زال موجوداً وسيقف وسيظل يواجه ولو كانت البداية بنسبة 10 أو 20 بالمئة، ولكن مع الوقت سترتفع القدرة على هذه المواجهة لكل هذه المخططات والمشاريع التي أودت بلبنان إلى ما أَودت إليه، وسنعمل على استعادة البلد إلى حياته الطبيعية وإخراجه من كل هذه الأزمات بشكل جدّي.
لا نريد أن نتوهم أو نُوهم الناخبين بأننا سنقوم بالمعجزات الفورية، ما نقوله إنه يجب على الأقل أن تكون هناك مجموعة من النواب ترفع صوتها، تفضح ما يجري، ولا تُغطّي أي عمليات على صعيد الفساد أو على صعيد ضرب صورة لبنان وإخراجه من تكويناته التاريخية والطبيعية ومن عروبته ومن تحالفاته العربية والدولية. ما نسعى إليه هو أن نكون الحصن وموقع الدفاع الأوّلي عن لبنان، على أمل أن يُساعد الالتفاف الشعبي لاحقاً على السير في تنفيذ خطوات فعلية نحو استعادة الدولة ومؤسساتها ونحو استعادة حقوق الإنسان الطبيعي اللبناني، حقه بلقمة العيش وبالمياه والكهرباء والدواء والطبابة والاستشفاء والتعليم الجيد، أي حقه بالحياة بشكل طبيعي.
نحن، والناس في المرحلة المقبلة، إذا وصلنا إلى الندوة البرلمانية، سنخطو خطوات تدريجية بهذا الاتجاه لأنه لا بدَّ من وجود صوت يقول كفانا استنزافاً لمقدرات الدولة، وكفاناً إحلالاً للدويلة مكان الدولة، لا بدَّ من الوقوف في وجه الأطراف التي كانت وراء كل المصائب التي نعيشها حالياً.
○ في انتخابات العام 2018 حيث لم نكن قد دخلنا مرحلة الانهيار الكلي، ورغم بعض التوازن في موازين القوى الداخلية، استطاع «حزب الله» وحلفاؤه نيل الأكثرية… اليوم في ظل هذه الانهيارات وانكفاء تيار المستقبل كقوة سياسية وازنة نلاحظ أن معركتم تتمثل بالحصول على «الثلث» للوقوف بوجه أي محاولات محتملة لتعديل الدستور، فهل هي الواقعية السياسية التي تفرض عليكم عدم «تكبير الحجر»؟
•ما تقولينه صحيح، والكل يذكر كيف أن قاسم سليماني أعلن، عبر شريط فيديو، الانتصار بعد حصول «حزب الله» على 74 مقعداً نيابياً، وبالتالي إيران هي التي حصلت عليهم. هذا كان في العام 2018، فما بالك الآن؟ هم اليوم يخططون للحصول على ثلثيّ الأكثرية النيابية، ونحن نحاول من خلال حصولنا على الثلث أن نمنعهم من تحقيق هدف الثلثين وتغيير وجه لبنان. الناس تُدرك هذا الشيء وتشعر بالخطر، لذا نرى عدداً كبيراً من اللبنانيين ومن كل الطوائف يرفعون الصوت بأنهم يريدون الدولة لا الدويلة، وأنهم يرفضون وضع «الحزب» يده على البلد وإدارته خدمة لمشروع خارجي.
○ وهل الناخب اللبناني، في ظل ما يُعانيه من أزمات خانقة، متيقظ لمعنى الشعار السياسي الذي تطرحونه؟
•جرى إشغال الناس بلقمة عيشها، وباتت الاهتمامات الأوّلية للمواطن تتعلق بتأمين الأساسيات لعائلته، رغم إدراكه للمضمون السياسي لما يحصل. برأيي أن هناك حالة ارتباك عند الناس. ما نحاول قوله لهم إن شعارنا الأساسي هو استعادة الدولة ومؤسساتها والقضاء العادل الذي لا يُميّز بين مواطن وآخر، أي القضاء المستقلّ بشكل حقيقي لأنه أساس البنيان لأي دولة. للأسف نحن نخوض المعركة الانتخابية منذ شهرين ونصف فقط، وهذا وقت زمني قصير جداً، ونعمل على إيصال رسالتنا التي هي رسالة السياديين الذين هم مع سيادة لبنان قولاً وفعلاً. وهؤلاء متواجدون في كل المناطق اللبنانية، ولذلك نرى لوائح في جميع الدوائر الانتخابية تحمل نفس هذه الشعارات التي تريد الدولة. والواقع أيضاً أن القوى الأخرى المعادية فعلياً للبنان، والتي تُريد ربطه بأحلاف خارجية وتسعى لقطع علاقاته مع العالم العربي وخاصة دول الخليج، هي قوى قوية ولديها قدرات هائلة، والأخطر أنها تملك السلاح ورأينا في الأسبوع الماضي كيف تعاملوا مع إحدى لوائح المعارضة في الجنوب، وكيف منعوهم من عقد مؤتمر لإعلان لائحتهم واعتدوا عليهم بالضرب، ونحن نتخوّف من أن تشهد المرحلة المقبلة مثل هذه الأعمال، لأننا تعوّدنا ونعرف أنهم يلجأون إلى العنف لفرض إرادتهم متى عجزوا عن فرضها بالوسائل العادية.
○ هناك انطباع بأن تيار المستقبل لم يُعلق فقط عمله السياسي، إنما يلعب دوراً سلبياً من خلال محاربته اللوائح التي تنبثق من روحية الحريرية السياسية بشكل عام… هل هذا الانطباع صحيح؟
•توجُّهنا هو عدم الدخول بهذه الأفعال أو الأقاويل أو الشائعات، نحن نعرف اتجاه البوصلة، ونُخاطب الناس بعناوين هذه المعركة، وخاصة العناوين السياسية. هناك كلام كثير نسمعه عن أدوار يقوم بها «فُلان أو علاّن» ممن ينتمون إلى تيار المستقبل، ولن نُعلّق عليها، فما يهمنا هو أن يُدركَ الشعب اللبناني مخاطر المرحلة، وأهمية هذه المعركة والمخططات الموضوعة للسيطرة على لبنان من خلال السيطرة على المجلس النيابي.
○ هل لبيروت رمزية خاصة في هذه المعركة؟
•بالطبع لبيروت رمزيتها. هي العاصمة، وملتقى اللبنانيين بكل طوائفهم، والبوتقة التي تجمعهم والتي فيها التنوّع اللبناني الطائفي والفكري والثقافي، وهناك رمزية خاصة للمنطقة التي تتمثل بدائرة «بيروت الثانية»، والتي هي في الأساس منطقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكلنا نتذكر مقولته الشهيرة «لا أحد أكبر من بلده». هذا القول معناه أن المصلحة الأولى هي مصلحة البلد، وليس أن تتحكم المصالح الشخصية أو الطائفية أو من أي نوع كانت بالتوجهات أو بالأعمال أو بالسياسات، إنما المصلحة الكبرى والأساسية الوحيدة هي حقوق الناس والبلد والتي هي بوصلة التحرّك.
اليوم نسأل: ما هي مصلحة لبنان؟ مصلحة لبنان فعلياً أن نوقف الانحدارين الاقتصادي والاجتماعي، وأن نحدَّ منهما، وأن نبدأ مسيرة الإصلاحات، وأن يستعيد لبنان علاقاته العربية والخليجية خاصة، والتي هي المفتاح الأساسي لاقتصاده ولعمل أبنائه، وأن يستعيدَ علاقاته الدولية عبر الالتزام بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة، هذه هي مصلحة لبنان التي تفرض علينا في هذه المرحلة أن نُقلع عن كل الاعتبارات الشخصية والمصلحية الضيّقة سواء أكانت طائفية أم مناطقية، وترى أين مصلحة لبنان التي هي في إخراجه من هذه الأزمة القاتلة التي يُعانيها. وهذا لا يكون إلا عبر استعادة الدولة ومؤسساتها كمدخل أساسي لاستعادة البلد وحريته واستقلاله.
○ ولمن ستكون قيادة الكتلة السُّنية ما بعد الانتخابات، بمعنى هل ستكون هناك كتلة صلبة ومَن سيقودها؟
•هذا السؤال غير مطروح حالياً. الآن هناك في كل منطقة سياديون يمثلونها ويخوضون معاركهم فيها، ولاحقاً من المؤكد أنه ستكون هناك كتلة بيروت أو كتلة الشمال… إلخ، وتكون عند هذه الكتل نفس التوجهات، والتي من المفترض أن تعمل ضمن إطار موحّد. على كل حال من المبكر الكلام عن هذا الأمر ولنتركه لما بعد الانتخابات.
○ وأي سيناريو تتوقعون على المستوى الوطني لمرحلة ما بعد الانتخابات؟
• كما قلتُ بداية، هذه الانتخابات مهمة وخطيرة على مستقبل لبنان، وحسب نتائجها ترتسمُ صورة قد تكون مختلفة عما عهدناه، لكن مهما تكن النتائج، سنُكمل معركة إنقاذ البلد وسنبذل جهدنا لتخليصه مما يعانيه، خاصة وأن النتائج محكومة بقانون انتخابي أنا أصفه بـ«الشيطاني».
○ رغم أننا على أبواب الانتخابات هناك مَن يتخوَّف من افتعال حدث ما يُطيح بها؟
•على الأرجح أنها أصبحت أمراً واقعاً إلا إذا طرأ حدث أمني كبير مُدبّر لإلغائها أو نتيجة أوضاع سياسية معينة تؤدي إلى مثل هذا الأمر، وما عدا ذلك من الصعب الإطاحة بهذه الانتخابات بعد كل هذه التحضيرات رغم ما يُحكى الآن عن بعض العراقيل الإدارية أو المالية أو تأمين مستلزمات تصويت المغتربين… إلخ، وإذا حدث ذلك فعلياً، فالطرف الذي سيُبان أنه يقف وراء حدوث هذه العراقيل المفتعلة ستكون عواقبها مكلفة جداً عليه.
○ حصول الانتخابات التشريعية هل يعني حكماً حتمية الانتخابات الرئاسية؟
• الانتخابات الرئاسية مسألة سياسية أخرى ترتبط بعوامل عدة. نحن في قلب صراع إقليمي حاد واحتدام المشاريع الإقليمية والدولية. هناك الحرب في أوكرانيا والصراع الأمريكي الأوروبي مع الشرق، وفي وجه روسيا بشكل أساسي. لا شك أن تلك العوامل ستنعكس على الأوضاع في لبنان، وبالتالي كل هذه الاعتبارات ستكون بمنزلة تحديات فعلية ومؤثرة.
○ بعض المراقبين يعتبر أنه إذا لم يكن هناك غطاء سياسي إقليمي ودولي لوضع لبنان على سكة الحل بأزمتيه المالية والاقتصادية… (مقاطعاً)؟
• على اللبنانيين أن يقفوا ويُثبتوا للعالم كله أنهم يواجهون حتى يقف العالم معهم.
○ وفي حال لم يتأمن غطاء لهذه الأزمة إلى أين يمكن أن تصل الأمور في ظل التوقعات التي تتحدث عن انفجار اقتصادي – اجتماعي وشيك لأن ما يجري ما هو إلا محاولة لإرجاء الانفجار لما بعد الانتخابات؟
• احتمال الانفجار كبير جداً، لأن «الموس» وصلت في هذه المرحلة ليس إلى ذقن الطبقة الوسطى بل إلى عنقها. في المرحلة السابقة كانت الأمور ماشية عند الطبقة الوسطى، وكانت تتكيّف نسبياً مع ارتفاع سعر الدولار وارتفاع أسعار السلع، وكانت هناك أشكال مختلفة من الدعم على المواد الغذائية أو الطبية… الآن هذا الأمر بدأ بالاضمحلال، ومن الآن لغاية حزيران سيختفي أي دعم حكومي للسلع أو لأي من مواد من هذا القبيل وبالتالي سترتفع هذه الأسعار، وإذا كان هذا الارتفاع قضى في المرحلة الماضية على الطبقة الفقيرة وقضى على الشرائح المتدنية من الطبقة الوسطى، فهو الآن سيقضي على الطبقة الوسطى بكل فئاتها، وبالتالي سيكون التذمر أكثر حدة وكذلك رفع الصوت، وربما سيكون التحرّك الشعبي أكثر حدة أيضاً.
رلى موفّق – القدس العربي