“تحت عنوان “مؤشرات مقلقة ترفع الدولار.. والتجّار يستعدون لاشتعال الأسعار”، نشر موقع “المدن” لخضر حسان:
ليست المرة الأولى التي يرتفع فيها سعر صرف الدولار. حتى أن المعدّل لم يكن هائلاً مقارنة مع حجم الارتفاعات السابقة. وكسْرُ مرحلة الهدوء على مدى يومين، كان منتظراً، ووحده التوقيت بقي مجهولاً. إلاّ أن الارتفاع الراهن أتى مصحوباً بجملة من المؤشرات السلبية التي تدعم استمرار الارتفاع، وعودة الدولار إلى مساره التصاعدي الذي كان يسلكه قبل تشكيل حكومة نجيب ميقاتي. وبالتوازي مع ارتفاع الدولار، يرفع التجّار أسعارهم بمعدّلات أعلى. لكن حتى اللحظة، يقولون بأن أسعارهم ستبقى على حالها.
سلسلة ارتفاعات
قبل تشكيل حكومة ميقاتي وصل الدولار في شهر تموز 2021 إلى نحو 23 ألف ليرة. وبعد التشكيل في شهر أيلول، تراجع إلى نحو 19 ألف ليرة ثم إلى نحو 13 ألف ليرة.
هذا المكسب لم يدم طويلاً، ففي تشرين الأول من العام نفسه، وصل الدولار إلى نحو 21 ألف ليرة، ليختتم عامه بالوصول إلى نحو 26 ألف ليرة. واستمر الارتفاع إلى نحو 30 ألف ليرة مطلع كانون الثاني 2022. ثم تنقّل الدولار بشكل شبه ثابت بين 20 و22 ألف ليرة خلال شهريّ شباط وآذار.
دعائم الارتفاع
مع تزايد وتيرة الحرب في أوكرانيا، بدا واضحاً أن الاقتصاد العالمي سيشهد محطة سلبية غير بسيطة، وتحديداً على مستوى تأثير أسعار النفط والقمح، وهو ما اصطدم به لبنان الغارق في أزماته. فبات المركزي يحتاج المزيد من الدولارات لتأمين الكمية نفسها من القمح، بالإضافة إلى دعم الأدوية والمحروقات التي ارتفعت أسعارها عالمياً وصولاً إلى 139 دولاراً للبرميل الخام. وهذه الخضّة على المستوى العالمي، رفعت الدولار محلياً إلى نحو 25 ألف ليرة.
والحاجة المتزايدة للدولار، ألحَّت على الحكومة البحث في وقف الدعم. وعَلا هذا الصوت في أروقة الحكومة، وفق ما تؤكّده مصادر متابعة للملف في حديث لـ”المدن”. لكن سرعان ما هدأ الحديث لأن ظرف الانتخابات لا يسمح باتخاذ هكذا قرار. فالدولار بات شحيحاً وهذا لم يعد سراً، لأن الدعم، وإن كان بسعر منصة صيرفة، بالنسبة للمحروقات، فهو مكلف. وقرار وقف الدعم من دون تنفيذ، قلَّصَ طرح الدولارات في السوق.
من جهة ثالثة، تواجه المصارف ملاحقات قضائية وتضغط عليها خطة التعافي المطروحة حكومياً، فخفَّضت المصارف أيضاً الإفراج عن الدولارات.
المحطّة الرابعة تمثّلت بإخراج المزيد من الدولارات من لبنان بطرق قانونية،
عبر إرسال التجّار للأموال إلى الخارج بهدف الاستيراد، لكنّهم لم يستوردوا شيئاً
. ما يعني خروج دولارات من دون عودتها على شكل بضائع. ولا أحد في لبنان
يتأكّد من توافق كميات الاستيراد مع كميات الدولارات المؤمّنة بسعر المنصة.
وأمام هذه المحطات، تغيب المؤشرات الإيجابية للاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وما اتفق عليه حتى الآن ليس سوى مسودة تمويل مشروطة بالإصلاحات.
ما يعني أننا نعود دائماً إلى منبع المشكلة، وهو صرف الدولارات بلا إنتاج
أو مصادر كافية لتأمين العملة الخضراء. وما يُنتَج تبقى إيراداته في الخارج.
أسعار السلع
اختلَّت البيئة الاقتصادية بشكل لم يعد إصلاحها سهلاً، واستمرار توتّر الأجواء
السياسية بالإضافة إلى انكشاف المزيد من الملفّات المتعلّقة بحاكم مصرف
لبنان رياض سلامة، يصعّب ضبط الدولار. وأوّل المتلقّفين لاهتزاز سعر الصرف
هم التجّار الذين يرفعون أسعارهم بما لا يتناسب مع سعر السوق. فحتّى وإن
أحجموا عن رفع أسعارهم مع الارتفاع الأخير، فإنّهم قد استبقوا الارتفاع بزيادة
أسعارهم سلفاً. ومع ذلك، لن يتعفّفوا عن رفعها في المستقبل القريب حين
يعود الدولار إلى مرحلة الـ30 ألف ليرة، خصوصاً إذا أقر قانون الكابيتال كونترول وخطة التعافي.
ما زال الدولار يتحرّك بين الـ27500 ليرة و28000 ليرة وسط جوٍّ من الاضطراب والقلق،
وهو ما يحفّزه على الارتفاع في أي لحظة. وعندها لا شيء أو أحد يضمن زهد التجّار.
أما وزارة الاقتصاد، فتكتفي بجولات فلكلورية على بعض السوبرماركت للتأكد
من أسعارها، إلى جانب إصدار بيانات وتهديدات بالملاحقة، لا تُتَرجَم على أرض الواقع.