المدن
يكتسب الاستحقاق الانتخابي المرتقب في لبنان معنىً جديداً، بل ربما يكون تاريخياً. ذلك أنها انتخابات ستقول للبنانيين شيئاً حقيقياً عنهم.. مَن هم اليوم؟ أو بالأحرى مَن أصبحوا؟
لعله ليس الاستحقاق الأكثر مصيرية الذي عرفه لبنان، لا سيما خلال العقدين الماضيين. الانتخابات التي أجريت بعد اغتيال رفيق الحريري العام 2005 وسلسلة الاغتيالات اللاحقة، الانتخابات التالية على حرب تموز 2006 وغزوة 7 أيار 2008 واحتلال وسط بيروت مدة سنتين، إضافة إلى صنوف التعطيل والتخريب المختلفة، وصولاً إلى التسوية التي جاءت بميشال عون رئيساً للجمهورية… كل هذه وغيرها الكثير، كانت محطات أعادت خلط الأوراق وأفرزت أشكالاً وألواناً متبدلة من البرلمانات والحكومات اللبنانية المتعاقبة. لكنها، وإلى جانب الإخفقات المتتالية لكل تغيير أو أمل، مهما كان كاسحاً أو جزئياً، كانت غالباً معارك تُخاض بالطوائف، وبشعارات سياسية كبرى غلبت عليها الإيديولوجيا، أو في أحسن الأحوال الفكر السياسي الحُلُميّ والأمني والعسكري… من الحرية والسيادة والاستقلال، إلى المطالبة بخروج القوات السورية من لبنان و”إنهاء الوصاية”، وصولاً إلى سلاح “حزب الله” وبِدَع طاولات الحوار و”الاستراتيجية الدفاعية”.
لم تختفِ الطوائف بالطبع، ولن تختفي في القريب العاجل. بل ما زالت تخوض الانتخابات بكامل نشاطها العصبي والتحريضي والاحتوائي. بالرشاوى العينية. وبالفزاعات الشعورية، كالحفاظ على الوجود و”الثقافة” و”لبنان الذي يشبهنا”، أو التخويف من الآخر، أو “الكرامات” المذهبية التافهة. لكن انتخابات 2022، بعد انتفاضة 17 تشرين، وفي عز أزمة معيشية وإفلاسية غير مسبوقة في تاريخ البلد، ومع توافر فرص –ولو محدودة– لأن تخرق اللوائحَ المحادلَ وجوهٌ مستقلة أو معارضة بالحد المقبول أو حتى المفرح جداً… هذه الانتخابات لها نكهة أقرب إلى البوح الذاتي. كأنها مِرآة، وإن كانت مقعّرة، بقانون انتخاب هجين بائس، وبإمكانات مالية ولوجستية محدودة للمرشحين المستقلين الذين يُسمَّون بالتغيريين
ثمة ما تغير في مجالات أخرى، لا سيما الحقوقية والجندرية، وإن ليس بالقدر الذي يطمح إليه لبنانيات ولبنانيون مقهورون. الضغط العلني والحملات والمُناصَرات، خصوصاً في فضاء الإعلام البديل، ساهمت في تقديم متحرشين للقضاء، وبعض الإنصاف لطليقات وأمهات محرومات من حضانة أولادهن، وأفضت إلى حماية نسبية لناشطين وإعلاميين من مغبات الاستدعاءات والملاحقات الأمنية والقضائية. الوعي يكبر.. لكن، هل ينسحب ذلك على اختبار بحجم الانتخابات النيابية؟
نأخذ دائرة الشمال الثالثة نموذجاً، كدائرة تخوض المعركة فيها قوى خارجة من رحم 17 تشرين، بتنظيمٍ ولوائح موحدة باعثة على التفاؤل مُقارنةً بأداء المعارضة في الدوائر الأخرى، إضافة إلى كونها دائرة بعيدة نسبياً من التأثير الميداني المباشر لقوى طويلة الباع في هذا المضمار (الصرفند في الجنوب مثالاً). ونتوقف عند ما نشرته منصة “المفكرة القانونية” عن النواب الحاليين من “الشمال 3″، واعدةً باستكماله في سائر الدوائر، على أمل “أن تساعد هذه المعلومات الناخبين في تكوين قناعاتهم بشأن مدى جدارة النواب في الحصول على وكالة جديدة منهم”. متصفّح البيانات هذه، ورغم محتواها المتوقع والمرئي حتى من دون السيرة المهنية والأرقام، يتملكه الغضب الممزوج بالقرف: أداء مخجل شبه معمّم على الجميع، في التشريع وفي المواقف والقوانين التي صوّت هؤلاء النواب معها أو ضدها.
يكتسب الاستحقاق الانتخابي المرتقب في لبنان معنىً جديداً، بل ربما يكون تاريخياً. ذلك أنها انتخابات ستقول للبنانيين شيئاً حقيقياً عنهم.. مَن هم اليوم؟ أو بالأحرى مَن أصبحوا؟
لعله ليس الاستحقاق الأكثر مصيرية الذي عرفه لبنان، لا سيما خلال العقدين الماضيين. الانتخابات التي أجريت بعد اغتيال رفيق الحريري العام 2005 وسلسلة الاغتيالات اللاحقة، الانتخابات التالية على حرب تموز 2006 وغزوة 7 أيار 2008 واحتلال وسط بيروت مدة سنتين، إضافة إلى صنوف التعطيل والتخريب المختلفة، وصولاً إلى التسوية التي جاءت بميشال عون رئيساً للجمهورية… كل هذه وغيرها الكثير، كانت محطات أعادت خلط الأوراق وأفرزت أشكالاً وألواناً متبدلة من البرلمانات والحكومات اللبنانية المتعاقبة. لكنها، وإلى جانب الإخفقات المتتالية لكل تغيير أو أمل، مهما كان كاسحاً أو جزئياً، كانت غالباً معارك تُخاض بالطوائف، وبشعارات سياسية كبرى غلبت عليها الإيديولوجيا، أو في أحسن الأحوال الفكر السياسي الحُلُميّ والأمني والعسكري… من الحرية والسيادة والاستقلال، إلى المطالبة بخروج القوات السورية من لبنان و”إنهاء الوصاية”، وصولاً إلى سلاح “حزب الله” وبِدَع طاولات الحوار و”الاستراتيجية الدفاعية”.
لم تختفِ الطوائف بالطبع، ولن تختفي في القريب العاجل. بل ما زالت
تخوض الانتخابات بكامل نشاطها العصبي والتحريضي والاحتوائي.
بالرشاوى العينية. وبالفزاعات الشعورية، كالحفاظ على الوجود و”الثقافة”
و”لبنان الذي يشبهنا”، أو التخويف من الآخر، أو “الكرامات” المذهبية التافهة. لكن انتخابات 2022،
بعد انتفاضة 17 تشرين، وفي عز أزمة معيشية وإفلاسية غير مسبوقة في تاريخ البلد
، ومع توافر فرص –ولو محدودة– لأن تخرق اللوائحَ المحادلَ وجوهٌ مستقلة أو معارضة
بالحد المقبول أو حتى المفرح جداً… هذه الانتخابات لها نكهة أقرب إلى البوح الذاتي.
كأنها مِرآة، وإن كانت مقعّرة، بقانون انتخاب هجين بائس، وبإمكانات مالية ولوجستية
محدودة للمرشحين المستقلين الذين يُسمَّون بالتغيريين
ثمة ما تغير في مجالات أخرى، لا سيما الحقوقية والجندرية، وإن ليس بالقدر الذي
يطمح إليه لبنانيات ولبنانيون مقهورون. الضغط العلني والحملات والمُناصَرات،
خصوصاً في فضاء الإعلام البديل، ساهمت في تقديم متحرشين للقضاء،
وبعض الإنصاف لطليقات وأمهات محرومات من حضانة أولادهن،
وأفضت إلى حماية نسبية لناشطين وإعلاميين من مغبات الاستدعاءات
والملاحقات الأمنية والقضائية. الوعي يكبر.. لكن، هل ينسحب ذلك على اختبار بحجم الانتخابات النيابية؟
نأخذ دائرة الشمال الثالثة نموذجاً، كدائرة تخوض المعركة فيها قوى خارجة من رحم 17 تشرين،
بتنظيمٍ ولوائح موحدة باعثة على التفاؤل مُقارنةً بأداء المعارضة في الدوائر الأخرى، إضافة
إلى كونها دائرة بعيدة نسبياً من التأثير الميداني المباشر لقوى
طويلة الباع في هذا المضمار (الصرفند في الجنوب مثالاً).
ونتوقف عند ما نشرته منصة “المفكرة القانونية” عن النواب الحاليين من “الشمال 3″،
واعدةً باستكماله في سائر الدوائر، على أمل “أن تساعد هذه المعلومات الناخبين
في تكوين قناعاتهم بشأن مدى جدارة النواب في الحصول على وكالة جديدة منهم”.
متصفّح البيانات هذه، ورغم محتواها المتوقع والمرئي حتى من دون السيرة المهنية والأرقام،
يتملكه الغضب الممزوج بالقرف: أداء مخجل شبه معمّم على الجميع، في التشريع وفي المواقف
والقوانين التي صوّت هؤلاء النواب معها أو ضدها.