يحلّ موسم الانتخابات على اللبنانيين وهم يعيشون أسوأ مرحلة في تاريخهم الحديث، فقد تكون هذه المرة الوحيدة التي تصل فيها جيوب المواطنين إلى الفراغ التام وتتحول أموالهم إلى “رزم” لا بركة فيها.
وفي خضم هذه المشهدية، ينظر العالم الى لبنان مذهولا ومتساءلا، كيف لشعب حلّت فيه عشرات المصائب أن يبقى مسالما وبعيدا عن العنف والجريمة التي وعلى الرغم من ازدياد نسبها، يمكن القول انها ما زالت متدنية مقارنة مع الدرك الذي وصلت إليه الأوضاع العامة.
وفي هذا الإطار، يتساءل البعض عن خيارات المواطنين في الانتخابات النيابية المقبلة وعن مدى تأثير الأزمة في توجهاتهم الاقتراعية.
لكن وبعيدا عن هذا الجدل، وبعيدا عن البحث في العلاقة بين النقمة والاقتراع، تبدو معظم الأحزاب والتيارات السياسية في لبنان،منفصلة عن الواقع وبعيدة عن هموم المواطن ومشاكله اليومية.فالاحزاب التي نشرت إعلاناتها على الطرقات وفي الشاشات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، استخدمت أموالها الطائلة بالدولار الأميركي لتؤكد وجودها وتزيد من زينتها ورونقها، في وقت يبحث جمهورها عن المئة دولار بين أكوام الشوك اللبناني الذي يكاد لا يحتمل ولا يطاق.
انطلاقا من هنا، وفي ما يخص العلاقة الشكلية التي تجمع الأحزاب بالناس، تظهر المسافة التي تفصل بينهما شاسعة، لا بل يظهر التناقض بأبهى حلله بين شعب يخاف من الغد القريب والبعيد وبين أحزابه التي تطرح أموالها وكأنها بحالة رخاء تام.
وعلى صعيد المضمون، تظهر المسافة نفسها أيضا بين
الطرفين، ففي زمن سؤال المواطن عن أمنه الاجتماعي
والاقتصادي وعن حقوقه في الضمان الاجتماعي, وفي تأمين رغيف الخبز والحديث عن واجب الدولة في تأمين رواتب تتماشى مع عمق الأزمة المالية، بالإضافة إلى حق المواطن في استعادة أمواله المنهوبة أو المتطايرة من خزنات المصارف،وفي زمن وجع المواطن المتنقل عبر طوابير الذل التي قد تعود لتظهر في أي لحظة وفقا لتقلبات الدولار الذي أفسد
كل ما حاول اللبناني الحفاظ عليه على مدار سنوات
وسنوات،في خضم كل هذا الزمن وهذه التساؤلات، تتناسى الأحزاب طرح الحلول أو تقديم الاجابات وتهرب منها ، اذ انها في غالبية حملاتها غير الموفقة، تسعى إلى طرح عناوين عريضة وكبيرة بعيدة كل البعد عن الواقع.وعلى ما يبدو، أمالت الأحزاب وجهها عن مبدأ الحاجات عند الإنسان التي تبدأ في تأمين المأكل والمشرب والمسكن ، وفي مراحل
متقدمة تصل إلى تحقيق الذات والبحث عن النظام
الأمثل للعيش .لذلك تسعى هذه الأحزاب عبر حملاتها لتحويل النظر
عن الهم المعيشي عبر طرحها مواضيع السيادة
والتمسك بالقرار الحر أو الممانعة ومحاربة العدو الإسرائيلي.وفي التفاصيل،
تتمحور مختلف الحملات الانتخابية لقوى الرابع عشر
من أذار بنسخهم القديمة والجديدة ، بالإضافة إلى جزء كبير ممن
يطلقون على نفسهم تسمية “تغييريين”، حول ضرورة
استنهاض السيادة وعدم المس بها ومحاربة حزب الله المهدّد الأول لها.في حين تبدو قوى الثامن من أذار عبر
حملاتها الانتخابية في حالة دفاع، تحاول من خلالها مواجهة
العناوين التي تصّر عليها مجموعات 14 أذار، بالإضافة
الى تسليطها الضوء على ضرورة الاستمرار في الدفاع عن
الأرض من العدو الدائم الشهية على الحرب والتوّسع.وأمام هذه
الواقع يتساءل المواطن:هل يمكن لهذه الطروحات ان تعيد دولار الـ 1500؟
وهل يمكن لها أن تسترجع جنى عمره من المصارف؟
وهل ستتمكن هذه العناوين وبحال تحققها من أن تعيد الحياة إلى طبيعتها السابقة؟
في السياق، قد تكون الإجابة معلومة عند الجميع، لذلك لا بد
من طرح التساؤلات التالية:ما الذي يمكن أن يبرر انفصال معظم الأحزاب عن الواقع؟
وهل يمكن اعتبار هذا الانفصال نوعا من الهروب أو
الاعتراف بعدم القدرة على ايجاد الحلول لأي ملف من الملفات المعيشية الملّحة؟