لا يُمكن أبداً إغفال الكلام الذي طرأ مؤخراً عن إقالة قائد الجيش جوزف عون من منصبه، إذ أن للأمر أبعاداً خطيرة وسيساهم في فتح طاقة من النار على صعيدٍ واسع.
قبل يومين، خرج رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ببيانٍ نفى فيه الكلام عن طرحه إقالة عون
، مع العلم أن مرجعيات كبيرة في الدولة كانت على علمٍ بمسعى باسيل نحو ذلك، ما يعني أن الحديث عن هذا الأمر يندرجُ في إطار الجديّة التامة.
في الأروقة الداخليّة للتيار، يعتبرُ عون “غير محبّب للكثيرين”، فهو الشخصية التي لم ترضخ لإملاءات أي جهة سياسية، كما أنه عسكري لم يقبل الترويض ولم يكُن أداة بيدِ أي رئيس حزبٍ أو تيار سياسي.
في الواقع، قد يكون موقف باسيل من إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة “منطقياً” بالنسبة لفئة كبيرة من الناس، لاسيما في ظلّ الإنهيار المتصاعد والمتنامي. ففي أي دولة تشهدُ انهياراً مالياً، ستكون أول شخصية تحت الرقابة هي حاكم البنك المركزي، حيث يجري استبداله فوراً من قبل أعلى سلطة في الدولة. أما في لبنان، فإن هذا الأمر لم يحصل، فسلطة سلامة قوية جداً وبيدهِ القرار النقدي وعلى أساسه يتحرّك، والأهم هو أنه “يتحصّن” بـ”قانون النقد والتسليف”.
قد يكون باسيل على حقّ في التشكيك بمنهجية عمل سلامة من موقعه كـ”مسؤول ونائب”، ولكن، السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: ما الذي دفع باسيل الى التشكيك بقائد الجيش؟ ما هي الأسباب التي جعلت العلاقة مقطوعة بين الطرفين؟
ما يتبيّن على هذا الصعيد هو أنه لدى باسيل “ملاحظات” على قائد الجيش، باعتبار أن الأخير لم يفتح خطوطاً واضحة معه، كما أنه لم يكن قريباً من العهد بعكسِ التمنيات. فعلياً، الأمور هذه عادية فلا يُمكن أن تدفع بطرفٍ لتطيير آخر. إلا أن الأمر قد لا يقف عند هذا الحد، وما توقيت بروز طرح “إقالة عون
” إلا إشارة لاستبعادِ شخصية قد تكونُ أوّل المطروحين لرئاسة الجمهورية وذلك انطلاقاً من موقعها الفعلي والفاعل والحالي ضمن المؤسسة العسكرية.
مع هذا، فإنّ تلويح جبهة باسيل بإقالة عون
– إن حصل- يعني تماماً ضرباً للمؤسسة العسكريّة وتركها في الوقت الضائع مجرّدة من قائدٍ عارفٍ بزمام الأمور وممسكٍ بتفاصيل مؤسسة ترزح وتعيشُ تحت الضغط في ظل انهيار متصاعد. ومن دون أدنى شك، يعتبرُ “تسليم” الجيش لأي تعيين جديد بمثابة هدر للوقت، كما أن الإطاحة بعون ستعتبرُ مجحفة بحقه تماماً خصوصاً أنه يُدير الجيش بحكمة ومناقبية وطنية وعسكرية في ظل أزمة غير مسبوقة.
اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى، بات العسكريون يتمسكون بقائدهم، فهو الذي اتخذ قرارات جريئة لحمايتهم اقتصادياً ومعيشياً، ويحاول قدر الإمكان تمكين صفوهم ومنع أي تزعزع فيها. وبكل بساطة، لو لم تكن إدارة عون للجيش سليمة، لكانَت الإنشقاقات قد ضربت العسكريين، وبات الإنقسامُ في الألوية كبيراً وواضحاً.
وإنطلاقاً من كل هذه الأمور، وبعيداً عن “النكايات السياسية”، فإنّ الحفاظ على المؤسسة العسكرية هو المطلب الدولي الأوّل، سواء من فرنسا أو الولايات المتحدة وحتى الدول العربيّة.
فما تبين هو أن الثقة كبيرة بقائد الجيش نظراً لإدارته
لمختلف الملفات والجبهات، كما أن شخصيته كانت بعيدة عن إملاءات السياسيين. والأهم من كل ذلك هو أن عون
استطاع أن يضمن تماسك الجيش فلم يترك العسكريين
لمصيرهم، فأمن لهم الغطاء لتسيير شؤونهم، وفتح
لهم الباب لتلقي الطبابة مجاناً على نفقة المؤسسة،
وتركَ لهم حرية العمل لكسب الرزق من دون أي تضييق أو تأنيب
ad.
هنا، يقول أحد العسكريين في الخدمة الفعلية لـ”لبنان24“:
“اهتمام قائد الجيش بالمؤسسة كبير، فهو لم يترك
أحداً وقراراته الحكيمة جعلتنا نتمسك أكثر
بالمؤسسة العسكرية التي نعتبرها ملاذنا الأول والأخير”.
بدوره، يقول عسكري متقاعد منذ نحو 6 سنوات: “قرارات جوزف عون
أراحتنا جميعاً، فلم نشعر بأنه ترك المتقاعدين..
الإنصاف كان كبيراً، و”كل شيء يعملوه إلا
يدقوا بقائد الجيش”، لأنه حافظ علينا وعلى عائلاتنا”.
في نهاية الأمر، لا يُمكن أبداً الإستسهال بإقالة عون
، وإن حصلَ ذلك فستكون العواقب وخيمة في ظلّ
المرحلة الحاليّة. والأوجب هنا في ظل تلك الإدارة
السليمة ل
عون
، حماية الجيش من كل الاطراف وابعاده عن
زواريب السياسة واهواء البعض الشخصية.
https://beirut-elhora.com/category/%d8%a7%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%84%d9%8a%d8%a9/