هل تنصب إسرائيل فخّاً بحريّاً للبنان لم يتحرّك لبنان الرسمي عندما تحرّكت سفينة «إنرجين باور» لوحدة إنتاج الغاز الطبيعي المُسال وتخزينه، ودخلت فِي المياه الإقليمية قبل 34 يوماً،
إنَّما بعدما وصلت الى حقل «كاريش» الواقع نصفه الشمالي داخل الخط 29، ونصفه الجنوبي خارجه. وتجاوزت الخط المذكور،
وأصبحت على بُعد 5 كلم٢ من الخط 23… فهل سيقع المحظور مع التحرّك «المتأخّر» من قبل المسؤولين اللبنانيين، على ما جرت العادة، في حال بدأ شبك المنصة بالبنى التحتية،
الأمر الذي يؤدّي بعد شهرين أو ثلاثة أشهر الى بدء الإنتاج، ويكون قد خسر لبنان بذلك ورقة التفاوض الكبرى التي وضعها على طاولة الناقورة والتي تقع بين الخطين
23 و 29، وتعطي لبنان مساحة إضافية تبلغ 1430 كلم٢، تُضاف الى المثلث البحري المتنازع عليه بمساحة 860 كلم٢؟! وهل من جدوى من تحرّك لبنان المتأخّر بعد
أن كان نقل مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم الى المسؤولين المعنيين أنّ واشنطن تنتظر الردّ اللبناني على المقترح الذي قدّمه الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية آموس هوكشتاين، بعد العودة من زيارته الأخيرة الى الولايات المتحدة الأميركية؟!
أوساط ديبلوماسية متابعة لملف الترسيم البحري والبرّي، ذكرت بأنّه صدرت بعض التعليقات الصحفية أخيراً بأن «حزب الله» سيقوم بتوجيه ضربة صاروخية إلى منصة «أنرجين باور» ليمنعها من التنقيب عن النفط والغاز في حقل «كاريش». ولم ينتبه البعض بأنّ المنصة سيتمّ إرساؤها في
الجانب الجنوبي من الحقل، الذي لا يقع في المنطقة المتعارف عليها بأنها متنازع عليه، وتقع شمال الخط 29. وهو الذي طالب به الوفد العسكري اللبناني في الناقورة في العام 2020.
فأي ضربة جنوب هذا الخط يمكن إعتبارها إعتداء خارج المنطقة المتنازع عليها، حتى لو تمّ الإفتراض بأن العبّارة ستشفط الغاز والنفط من الجانب اللبناني من البئر.
ومن غير الواضح حتى الآن كمية الثروة الغازية فيه، كما أنه لم تتوضح الآلية التي سيتم فيها اقتسام عائدات «كاريش» بين العدو الإسرائيلي وبين لبنان ، والذي لا بدّ وان
كان موضوع مفاوضات مطوّلة ولكن غير مباشرة أجراها مختلف المسؤولين اللبنانيين مع الجانب الأميركي.
وأضافت: «إلا أن مواقف المسؤولين اللبنانيين في تراجعهم عن الخط 29، وعدم إلتزامهم بدعم موقف الوفد العسكري المفاوض في الناقورة، إنما كانوا يستجيبون
بها للتلميحات الإسرائيلية المتكررة بأن تمسك لبنان بهذا الخط سيُشكّل ذريعة لشن حرب مدمّرة عليه. وهو ما يُذكّر بما حدث مع الزعيم المصري جمال عبد الناصر في الأسابيع الحاسمة التي سبقت حرب 1967. فقد وجّهت «إسرائيل»
آنذاك الإنذارات المتكرّرة بأن إغلاق مضيق العقبة سيشكل ذريعة لشن الحرب. والكثيرون لم يكونوا يعرفون وقتئذ بأن إحدى عناصر تسوية الإنسحاب الإسرائيلي من سيناء بعد فشل العدوان الثلاثي في 1956،
هو أن تسمح مصر بحرية الملاحة إلى ميناء إيلات عبر مضيق العقبة. فكان هذا التذكير الإسرائيلي دعوة غير مباشرة إستدرجت فيها عبد الناصر بالفعل ليقوم في 27 أيار بإعلان إغلاق
المضيق للبحرية الإسرائيلية. فهو حتى تلك اللحظة كان يتبع سياسة حافة الهاوية مع الإسرائيليين في الأسابيع التي سبقت حرب 1967، ويقوم بالتصعيد المتواصل للأزمة. وهذا ما أعطى «إسرائيل» الذريعة المعنوية والديبلوماسية دولياً لشن الحرب بعدها بإسبوع واحد.
وأوضحت الأوساط نفسها أنّه قد يكون التهديد الإسرائيلي عام 1967 مبرّراً بحسب الغرب، إذ أنّ شاه إيران كان يرسل 90% من متطلبات الجيش الإسرائيلي من المشتقات
النفطية إلى ميناء إيلات مباشرة. لكن أن يُهوّل الإسرائيليون
على لبنان اليوم بأنّ الخط 29، والمشاركة في اقتسام حقل «كاريش» هما مبرّران للحرب، فهذا يصعب تصديقه. فالخط 29 إنما يحسم بضعة مربعات من المنطقة الاقتصادية الخالصة لفلسطين المحتلة بنحو 2230 كلم مربعاً،
أي أنّ لبنان يطالب بحقه الطبيعي بموجب القوانين
الدولية بحوالي 1% من المنطقة الاقتصادية
الخالصة التي يدّعي العدو الإسرائيلي تملكه إياها ظلماً وعدواناً، والبالغة بمجملها نحو 240،000 كلم مربعاً!
ورأت بأن الإسرائيلي أعلن عن اكتشاف 11 حقل نفط
أو غاز في المناطق الخاضعة له حتى الآن. فما هي
هذه الأهمية الاستراتيجية الهائلة لحقل «كاريش»،
والتي تبرر للعدو الإسرائيلي شنّ حرباً مدمّرة على
لبنان n؟ علماً بأنّ جريدة «هآرتس» قد أضافت منذ
يومين ذريعة جديدة للحرب وهي «قصف منصة إنرجين». فلكأنما العدو يحاول البحث عن أي مبرر للحرب ضد لبنان
يمكن إعتماده أمام المجتمع الدولي.
وبرأيها، إنّ الحرب الروسية على اوكرانيا قد أظهرت
أنّ المسيرات والصواريخ الدقيقة يمكنها إلحاق الخسائر
الفادحة بالأسلحة التقليدية مثل الدبابات، بل تمّ إغراق أحدث مدمرة روسية «موسكفا» وهي بنفسها حاملة
صواريخ! وهذا يشير الى أنّ الحروب الحديثة المقبلة
ستكون ممتدة زمنياً، ولن يحصل فيها أي تقدّم برّي
واسع للطوابير العسكرية، ولكنها ستتسبب
بخسائر بشرية عسكرية
ومدنية مروعة. كما أنه سينتج عنها عمليات تدمير ممنهجة واسعة للبنى التحتية.
فهل تمسّك لبنان بالخط 29 هو فعلاً ذريعة للعدو
الإسرائيلي لشنّ الحرب عليه، على ما تساءلت
الأوساط عينها، لافتة الى أنّه لهذه الأسباب
والمبرّرات كلّها، فإنه ليس مفهوماً هذا التلكؤ
اللبناني الرسمي في تعديل المرسوم 6433،
والتمسك بالخط 23 الذي يرفضه الوسيط الأميركي هوكشتاين أصلاً..
وهذا التردّد الرسمي في اعتماد الخط 29 الذي كرّسه
الجيش اللبناني بعد دراسات تقنية حديثة، خصوصاً
وأن السفير بسّام النعماني والعميد جورج نادر
قد أبرزا خرائط إسرائيلية قديمة وحديثة، ونشرتها
جريدة «الديار» في السابق، تظهر بأن العدو الإسرائيلي كان يعتبر بأنّ مياهه الإقليمية
تقع إلى جنوب الخط 29! وإن تهجم كبار رجال الدولة
على «الخبراء» وعلى رأسهم د.عصام خليفة
التشكيك في مصداقية العميد بسام ياسين والوفد العسكري التقني
غير مبرّر على الإطلاق تحت العنوان العريض بأن «هذه
المواقف إنما هي سقوف تفاوضية يمكن التراجع عنها». وهو ما حصل فعلاَ.
https://beirut-elhora.com/category/%d8%a7%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%84%d9%8a%d8%a9/