لبنانيون تحت الإقامة الجبرية… الجوازات محجوزة والسفر ممنوع!

الجوازات محجوزة في بلاد باتت غير صالحة للحياة، أصبح المواطن اللبناني محتجزاً في القاع لا مجال لينقذ نفسه، حتى وإن حصل على فرصة للعمل أو الهجرة للخارج، فهو على الأرجح لن يحصل على جواز سفر.

بات الحصول  على جواز سفر في لبنان يستحق الاحتفال والتهليل، صور كثيرة تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي تترأسها عبارة “تكرم” للحاصل على جواز سفره الى جانب مدير

عام الأمن العام. في لبنان حيث تسود الرشاوى

والمحسوبيات، يصبح الحصول على الحق من الكماليات،

ويُعتبر الحصول على جواز سفر “طق حنك وموضة”

بالنسبة إلى الدولة، أو حقاً يمكن تجاوزه وتأجيله في أحسن الأحوال.

في بلاد باتت غير صالحة للحياة، أصبح المواطن اللبناني محتجزاً في القاع لا مجال لينقذ نفسه، حتى وإن حصل على فرصة للعمل أو الهجرة للخارج، فهو على الأرجح لن يحصل على جواز سفر. 

قرر محمد (24 سنة- جنوب لبنان) الهرب من ضغوط عائلية وحزبية عليه لينتظم في أحد الأحزاب، وبالفعل وجد فرصة عمل بالخليج، لكن الأمر ما زال متعذراً بسبب العراقيل التي يفرضها الأمن العام

اللبناني والشروط التعجيزية التي بات يتطلبها الحصول على جواز، إضافة إلى وقف استصدارها في الفترة الأخيرة. “أضعف الإيمان أن يؤمنوا لنا فرصة الهرب من إجرامهم وفسادهم،

لم نطلب شيئاً، لا نريد مالاً منهم ولا عملاً، نريد جوازاً حتى نهاجر وحسب”، يقول محمد  بعدما خسر فرصة العمل وبقي هنا ليضاف اسمه إلى إحصاءات العاطلين من العمل في لبنان.

“ربما لم تكن هذه فرصة العمر لكن في بلد يحتضر، كانت هذه فرصتي لأحصل على عمل جيد وأبدأ من جديد في بلد على الأقل سيؤمن لي العلاج دون أن أقف في طابور

الانتظار وأعاني لتأمين ثمن جلسة العلاج الكيميائي”، تقول مهى (25 سنة) التي خسرت أيضاً فرصة عمل في صناعة المحتوى في الإمارات بسبب توقيف منصة التقديم على جوازات السفر في لبنان.  

“فرصنا في التمثيل الدولي تتراجع!”

“اتصلت بالخط الساخن للأمن العام 1717 وطلبت تقريب الموعد من شهر حزيران/ يونيو إلى أيار/ مايو، لأنني بحاجة لأسافر لتمثيل لبنان في مؤتمر دولي، لكن طلبي

رُفض. وقالوا لي: ما في حل”. 

حاولت الشابة دانا سعدالدين (22 سنة) التواصل مع الأمن العام واللجوء إلى مركز المديرية مرات عدة للحصول على موعد قريب لإصدار جواز سفر لتلبي دعوة إلى المشاركة في

مؤتمر دولي في موسكو، لكنها لم تتلق أي رد إيجابي

وخسرت فرصة المشاركة ونقل المشكلات التي يعاني

منها الشباب اللبناني كما  حرمت طرح خطة كاملة على المؤتمر تتضمن تأمين فرص عمل من بعد للشباب. “فرصنا في التمثيل الدولي باتت قليلة جداً بسبب ما تفعله الدولة

بشأن إصدار جوازات السفر”. تقول دانا، مشيرة إلى أنها في إحدى المرات التي زارت فيها مركز الأمن العام شاهدت امرأة تبكي وتتوسل للحصول على جواز سفرها من أجل

السفر والعلاج في الخارج من مرض السرطان، لكن 

جواب العنصر الأمني هناك كان بأن عليها أن تنتظر”. 

تمثل حرية التنقل بنداً أساسياً من شرعة حقوق الإنسان،

وبرغم ذلك قررت الدولة اللبنانية تجاهل هذا الحق كغيره من الحقوق التي باتت أشبه بحلم بالنسبة إلى اللبنانيين

في بلد يحتضر اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً،

بعدما أعلنت المديرية العامة للأمن العام التوقف

عن تلقّي طلبات المواطنين الراغبين بالحصول على جوازات سفر جديدة،

«لأنّ مخزون الجوازات شارف لديها على النفاد ولعدم توفر التمويل اللازم لشراء كميات جديدة منها»، في أواخر شهر نيسان/ أبريل. 

وكان الأمن العام اللبناني قد وضع في الأشهر الماضية منصة إلكترونية في تصرف المواطنين لتنظيم حصولهم على جوازات السفر، بعد تزايد الحاجة إلى تجديد جوازاتهم والحصول على جوازات جديدة. 

شهد لبنان حركة مغادرة واسعة النطاق، إذ وصل عدد المهاجرين والمسافرين عام 2021 بحسب تقرير “الشركة الدولية للمعلومات” إلى  79134 شخصاً مقارنة بـ 17721 شخصاً عام 2020،

أي بزيادة 61413 شخصاً، وبنسبة 346 في المئة.وبالتالي يكون العام 2021 قد سجل العدد الأكبر من المهاجرين والمسافرين خلال الأعوام الخمس الماضية. وخلال هذه الأعوام 2017-2021 وصلت حصيلة المهاجرين والمسافرين إلى 215653 شخصاً.

وكان حرم 25 رياضياً دون 15 عاماً  من نادي ضهر الأحمر الرياضي لكرة القدم في راشيا من المشاركة  في بطولة “تروفيو مار تورينو لكرة القدم للشباب” في إيطاليا،

في دورتها الثامنة عشرة التي  يشارك فيها 60 فريقاً من حول العالم والسبب عدم حصولهم على جواز سفر للذهاب إلى إيطاليا. حاولوا كثيراً الاستحصال على جوازات السفر،

عبر تقديم كتب توصية من وزارة الشباب والرياضة والاتحاد اللبناني لكرة القدم، موجّهة الى الامن العام، لتسهيل الأمور، لكن دون جدوى وتعذّر ذلك بسبب توقف المديرية العامة للأمن العام عن اصدار الجوازات لعدم توافر الإمكانات المالية.

يقول رئيس “نادي ضهر الأحمر الرياضي لكرة القدم”

فيصل جابر لـ”درج”: “كنا نتوقع أن نواجه صعوبات أو

عراقيل في ترتيبات السفر والتكاليف، لكن لم يخطر في بالنا

أن المشكلة ستكون في استحالة الحصول على جوازات سفر للاعبين ويحرم هؤلاء الأطفال من  تحقيق حلمهم. هناك من استطاع الحصول على جواز سفر عبر معارفه أو حصل على تسهيلات معينة، لكن ذلك تعذّر في حالتنا”.

8000 طلب يومياً

في المقابل، يؤكد أمين سر مدير الأمن العام الرائد

مارك عضم لـ”درج” أن المديرية تنظر في الحالات المقدمة

لها وتستقبل الاتصالات عبر الخط الساخن لتسهيل العملية

أمام من هم بحاجة ملحة أكثر من غيرهم

 من المواطنين للحصول على جوازات السفر بشكل أسرع، 

إلا أنه يبدو أن هذا الخط معطل أيضاً والمواطن لا يحصل على  أي رد على اتصالاته المتكررة. ويردف عضم  أن المديرية أصبحت تصدر  3000 جواز يومياً

لكن الطلب والتهافت على التقديم خيالي، إذ نستقبل أكثر من 8000 طلب في اليوم الواحد وهذا يفوق قدرة المديرية.

ويؤكد أن مصرف لبنان  قد صرف راهناً أموالاً للصفقة

مع الشركات المختصة بتأمين جوازات السفر، ما سيسهل

عملية الإصدار قريباً، لكن فتح المراكز لن يكون

قريباً ولن يكون سهلاً في حال بقي التهافت على التقديم على الجوازات على هذا الحال.

 “في ناس عم تعمل  جوازات طق حنك، 70 في المئة من الجوازات يلي أصدرت لم تستخدم أصلاً، صارت موضة”، يقول  الرائد عضم. 

وهي حجة غير مقنعة وغير عادلة، فالحصول على جواز السفر

حق لكل مواطن، ويزداد أهمية في ظل الظروف الراهنة

التي تهدد كثيرين بالبطالة والجوع والمرض. في هذا

الإطار، تقول المحامية داليا شحادة، “وكأن من حقهم أن يقرروا عن المواطن متى يحصل على جواز ومن يستحق ومن لا يستحق من المواطنين. من حق المواطن أن يمتلك

جواز سفر ليسافر متى أراد، وعلى الدولة أن تؤمن له

هذا الحق عندما يطلبه، وليس عندما يحلو لها، وكل ما

هو غير ذلك يعتبر فوقية على القانون واستخفافاً به، ويراد

به التبرير غير المباشر  لعدم إعطاء الجوازات”.

وتضيف شحادة أن حق التنقل هو حق دستوري منصوص

عليه بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الموجود

في مقدمة الدستور اللبناني، وعلى الدولة أن تلتزم به،

وهو يعلو استطراداً مع الدستور على القوانين والنصوص

القانونية والقرارات المحلية كافة… فما سبب القرار الذي

اتخذه الأمن العام؟ هل هو قوة قاهرة؟ هل الأمن 

العام لم يعد يمتلك الميزانية كما اعلن؟ أو أن

هناك سبباً آخر فوق إرادته؟ على وزير الداخلية التحقيق بالأمر”.

في لبنان الذي يشهد أزمة اقتصادية خانقة صنفها البنك الدولي من بين أسوأ ثلاث أزمات في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، كما صنفته الأمم المتحدة أتعس بلد في العالم،

لم يعد أمام المواطن اللبناني أي حل سوى الهجرة

والبحث عن بلد آخر يؤمن له حياة كريمة، إلا أن

الدولة اللبنانية قررت أن تضع يدها على آخر مركب نجاة للبنانيين الذين

يطمح أكثر من نصفهم للهجرة بحسب أحدث استطلاع أجراه «الباروميتر العربي».  

Exit mobile version