للمراهنين على الفراغ… “ما تعبّوا ميّاتكم بسلّة”

صحيح أن الدستور لم يلزم رئيس الجمهورية بمهلة محدّدة للدعوة إلى الإستشارات النيابية التمهيدية لتسمية الرئيس الذي سيكّلف تشكيل الحكومة ، وقد أصبحت هذه الإستشارات ملزمة بعد الطائف.

وهي واحدة من الصلاحيات المهمة التي إنتُزعت من يد رئيس الجمهورية ووضعت في عهدة الإجماع النيابي، على حدّ ما يقوله الذين يعتبرون أن رئيس الجمهورية بعد الطائف قد أصبح كملكة بريطانيا. 

ولأن هذه الإستشارات أصبحت ملزمة، بحيث لا يعود أي صوت يعلو على ما يُجمع عليه النواب، ولأن أي شخصية سيتمّ تسميتها لرئاسة الحكومة ستكون محكومة بحتمية التعاون والتفاهم مع رئيس الجمهورية على الأساسيات، فإن ما يُعمل له ما قبل الدعوة إلى هذه الإستشارات يهدف إلى تأمين

الحدّ الأدنى من الأجواء التي تسمح بتسريع عملية التأليف بعد التكليف، ولكن هذا لا يبرّر أخذ الوقت الكافي لتحديد موعد الإستشارات، لأن الوقت الضاغط لا يعمل لمصلحة أحد. 


في المقابل يشير آخر ما هو متوافر من معلومات إلى أن الرئيس ميشال عون قد إستكمل حلقات التشاور مع جميع الأفرقاء تقريبًا، وبالأخصّ مع الجهات المعنية بهذا الإستحقاق أكثر من غيرها، وذلك نظرًا إلى ما تشكّله هذه الجهات من “ضمانة” ميثاقية بمفهومها الواسع وغير الضيق لهذه الميثاقية. 


وبغض النظر عن الشروط التي يضعها البعض للتأليف

قبل التكليف فإن ما تبّقى وقت غير مستقطع لنهاية العهد الحالي لا يسمح لهذا البعض بممارسة لعبة التشاطر و”الشانتاج” وحرق المراحل، وبالتالي حرق المراكب.  

فإذا سّلمنا جدلًا بأن التكليف سيتمّ الأسبوع المقبل،

فإن الرئيس المكّلف، أيًّا يكن، يحتاج على أقّل تقدير إلى

فترة شهر لإستكمال حلقات التشكيل بما يؤّمن سلاسة

في التوافق على البيان الوزاري ونيل الحكومة العتيدة

ثقة مجلس النواب بتلاوينه الجديدة، إستعدادًا للبدء بتنفيذ ما سبق

أن وضعته الحكومة الميقاتية من أسس لحلول مستعجلة

ومبدئية، أقّله بالنسبة إلى ما سبق إقراره من

خطوات مبدئية وتمهيدية مع صندوق النقد الدولي.

ففي هذه الفترة، التي يمكن وصفها بالقصيرة جدًّا، لا يُسمح بـ”تكبير” حجر الإنجازات، خصوصًا أن الظروف الإقليمية والدولية غير مؤاتية لتحقيق ما يصبو إليه بعض “المغامرين”،

الذين سبق لهم الرهان على بعض المتغيرات في المشهد

الإقليمي بما يصّب في خانة مصالحهم الضيقة والقائمة على “الثنائيات” المحورية، وما فيها من تناقضات متنافرة. 


لا نفهم “إستماتة” البعض، وهم باتوا معروفين، في وضع

بعض “الشروط التجميلية” في عملية التأليف قبل التأليف، وهم بذلك يحاولون وضع العربة قبل الحصان. 

ما يحاول هذا “البعض” القيام به هو بمثابة “سرقة الوقت” المتبقي، قبل أن يصبح تاريخ 1 / 11/ 2022 من زمن آخر. وقد تكون هذه الشروط التي يضعها هذا “البعض

” شبيهة بسمة الدخول إلى مرحلة جديدة، من شأنها أن

تجعله رقمًا صعبًا في أي معادلة سياسية في حال تعذّر

التوافق على رئيس جديد للجمهورية، وفي حال

دخلت البلاد مرّة جديدة في فراغ قد يطول أكثر مما طال قبل إنتخاب الرئيس عون. 


فإذا أراد هذا “البعض” أن تكون له اليد الطولى في

عمليتي التكليف والتأليف، ظنًّا منه بأن الفراغ في سدّة

الرئاسة الأولى آت لا محال، فقد فاته أن الدستور في

مادته الـ 62 واضح ولا يقبل أي شكل من أشكال الإجتهاد، و

هي تقول: “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت

تناط صلاحیات رئیس الجمهوریة وكالة بمجلس الوزراء”.

وهذا يعني أن هذه الصلاحيات لا تناط بجهة واحدة دون سواها. 

لقد ذاق اللبنانيون في العام 2014 مرارة الفراغ، وما نتج عنه من تداعيات خطيرة على مستوى التأسيس لمرحلة الإنهيار التي نعيشها اليوم جميعًا، وهم على غير إستعداد لتكرار هذه التجربة المرّة، والتي ستكون هذه المرة مميتة. 

فللذين يراهنون على الفراغ في المقام الرئاسي لتعويض

بعضٍ من فراغ في مكان آخر، نقول لهم ومعنا

الكثير من اللبنانيين، “ما تعبّوا مياتكم بسلّة”. 

مواضيع ذات صلة

https://beirut-elhora.com/category/%d8%a7%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%84%d9%8a%d8%a9/

Exit mobile version