قال أحد الديبلوماسيين المخضرمين المعنيين بالملف اللبناني “إن الظروف الاقليمية المحيطة بلبنان، اضافة الى التوازنات النيابية التي سيطرت على المشهد السياسي الداخلي ادت الى تراجع احتمالات وصول شخصية سياسية تقليدية الى رئاسة الجمهورية
“.
أضاف ” أن الرئيس المقبل قد يكون رئيسا توافقيا مستقلا، ليست لديه مواصفات الرئيس القوي التقليدية، وذلك في حال بقيت التوازنات على حالها، وفي ظل وجود عدد لا بأس به من النواب الميالين لاختيار شخصية مستقلة تشبههم للرئاسة”.
إذا سارت الأمور كما يُفترض وكما يقول الدستور – الكتاب، فإن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفًا للرئيس الحالي يجب أن يحصل بين أيلول وتشرين الأول المقبلين إلا إذا تكرّر سيناريو العام 2014 وحلّ الفراغ مرّة جديدة كرئيس غير منتخب. وهذا ما حصل قبل إنتخاب الرئيس ميشال عون.
ففي أول موقف واضح وقاطع بشأن هذا الإستحقاق، وفي رد غير مباشر على كل التوقعات والهواجس بشأن حصول فراغ رئاسي أو عدم تسليم رئيس الجمهورية صلاحياته الى حكومة تصريف أعمال وبقائه في قصر بعبدا ، قطع الرئيس ميشال عون الشك باليقين، مؤكدًا حصول انتخابات رئاسية في موعدها الدستوري، وأنه لن يكون فراغ وسيكون هناك رئيس جديد،
وقال في حديث صحافي أمس الأول: “يأتون إلّي ويسألونني هل ثمة انتخابات رئاسية عند انتهاء الولاية؟ أتوا إلّي قبلًا، قبل أشهر من الإنتخابات النيابية العامة
وثابروا على المجيء حتى الأسبوع الأخير السابق لإجرائها، يسألون هل تحصل؟ كنت أرد بالإيجاب، فحصلت انتخابات 15 أيار.
الآن أؤكد أن الإنتخابات الرئاسية ستحصل
في موعدها. لن يكون فراغ دستوري. سيكون
هناك رئيس يخلفني في المهلة الدستورية،
وأقّدر انتخابه ما بين 31 آب و21 تشرين الأول، في اليوم العاشر الذي يسبق نهاية ولايتي. إذا شئت سيكون رئيس ربع الساعة الأخير. يقيني مبني على أنني لا أراهن، بل أبني موقفي على الدستور الذي هو كتابي. ذلك ما يقتضي أن يفعله مجلس النواب أيضا”.
وما بين الإحتمالين ينقسم الرأي العام اللبناني إلى قسمين، الأول يميل إلى الإعتقاد بأن الإنتخابات الرئاسية حاصلة في موعدها الدستوري، فيما يرجّح آخرون حصول فراغ في سدّة الرئاسة الأولى،
ولكل منهما معطياته وتبريراته.
أصحاب الرأي الذي يقول بأن الإنتخابات حاصلة يبنون موقفهم على معطيات حسّية، وأولها ما تبّلغه المسؤولون اللبنانيون من نصيحة أحد الديبلوماسيين الغربيين،
حين نصحهم بضرورة عدم التعاطي مع تأليف
الحكومة الجديدة على أنها هي الحكومة الت
ي ستناط بها صلاحيات رئيس
الجمهورية، على قاعدة أن الفراغ محتوم،
لأن في ذلك جهلًا لكل مسار الأمور
في الأقليم الذي ينعكس على الداخل
اللبناني، لأن من يقارب الإستحقاق
الحكومي بنوايا الفراغ الرئاسي يمكن وصفه بأنه من “هواة الإنتحار”.
ويضيف هذا الديبلوماسي، وفق ما نُقل
عنه، أن الظروف التي رافقت الفراغ الذي
أدارته حكومة الرئيس تمام سلام مغايرة
كليًا للظروف الحالية أقله في ثلاثة أمور أساسية،
وهي: أولًا، ما كان مانعًا لإتمام الإستحقاق الرئاسي في أيار 2014 هو الشعارات التي رفعت حول الشراكة والندية والميثاقية، وأن الأكثر تمثيلًا في طائفته هو الذي يجب أن يكون رئيسًا حتى يتمكن من أن يكون شريكًا في الحكم،
وبعد تجربة العهد القوي ثبت أن
ما ينطبق على الرئاستين الثانية
والثالثة لا ينطبق على الرئاسة الأولى.
ثانيًا، في ظل حكومة الرئيس تمام
سلام، لم يكن الوضع الإقتصادي
والإجتماعي والمالي والمعيشي
والخدماتي على الحال الراهنة
التي تعيشها البلاد اليوم، إذ كانت
هناك رعاية خارجية لإدارة الفراغ
فإستطاعت الحكومة أن تحافظ على
ثبات سعر النقد الوطني وعلى
الخدمات الأساسية وعلى إستقرار الوضع
المعيشي. أما اليوم فإن أول ما ستواجهه
حكومة “إدارة الفراغ” هو إنفلات خطير
جدًّا بسعر صرف الدولار، وما يستتبعه
من تفلت في أسعار السلع الإستهلاكية.
ثالثًا، من قال إن الخارج يريد أو يدفع
في إتجاه الفراغ الرئاسي في لبنان.
فالعكس هو الصحيح، لأن ما سمعه
المعنيون في لبنان رسميين وحزبيين، هو أن
السقف الزمني للتأليف ليس مفتوحًا.
وإذا تبيّن في مهلة لا تتجاوز منتصف
آب أن التأليف متعذر، فإنه سيتم
الإنتقال فورًا إلى البحث في الإستحقاق
الرئاسي لتهيئة الظروف لإتمامه من
ضمن المهلة الدستورية التي تبدأ
منتصف ليل 31 آب، بحيث يبدأ البحث
عن الشخصية التي تتوافر فيها
المواصفات المطلوبة للتعامل مع الصعوبات والمخاطر التي يرزح تحتها لبنان.
أمّا أصحاب الرأي القائل بإستحالة
التوافق على رئيس جديد للجمهورية
فلهم معطياتهم وحيثياتهم وسنفصّلها في مقال آخر.