بدا البيان الذي حمل توقيع “نقابة صرافي السوق السوداء” سوريالياً، فيما يزيد التزام عدد كبير من صيارفة هذا السوق بإضراب “النقابة”، بعد أربعة أيام من الإعلان عنه، من سوريالية المشهد.
بعد أكثر من عامين على الأزمة المالية، لم
تجد الأجهزة الأمنية ترف الوقت بعد، لكشف
ومحاسبة المتحكمين في السوق السوداء للدولار،
على الرغم من استحكام هذا السوق في العرض
والطلب، وهما العاملان الأساسيان في تحديد تسعيرة الليرة مقابل الدولار، بعد اعتراف مصرف لبنان فعلاً وقولاً، أنها “ليست بخير”.
شروط الانضمام
كما رؤساء العصابات، تمدهم الدراما اللبنانية
بجرعات من الـ”هيبة” كانعكاس للثقافة اللبنانية المطّبعة مع منطق كسر هيبة الدولة، يتحدث صرافو السوق السوداء، عن مهنتهم غير الشرعية، كأي مهنة شرعية، لها شروط انضمام، وتحكمها “أخلاقيات المهنة”!
يقول أحد صيارفة السوق السوداء في حديثه
لـ”المدن”، متحفظاً على ذكر اسمه: “عملنا منظم، ويحكمه التنسيق، فجميعنا ننضوي تحت مجموعات واتساب مقسمة وفق المناطق، وفي كل منطقة هناك 5 إلى 10 غروبات واتساب”.
ولا يحوز فرصة الإنضمام للمجموعة إلا “ناس ثقة”،
فيما يؤهلهم لعضوية هذه الغروبات، المشرفون
عليها أي الـ”admins” وهم في الغالب ثلاثة
صرافين غير شرعيين لكل مجموعة”. أما معايير
الاستحواذ على “ثقة” الأدمن، فهي “خلفية”
الأعضاء المهنية والأخلاقية، بحيث “لا سارقين بيننا”.
ولأنّ الاحتياط واجب، يحتفظ الأدمن بعناوين
منازل الأعضاء جميعهم. هنا يعقّب الصراف
غير الشرعي بالقول: “إذا خالف أحدهم
معنا بتسعيرة، يتم حل الموضوع حبياً”.
كل صراف غير شرعي يعرف على الأقل 70 صرافاً
غير شرعي آخر “يعمل معه”، وجميعهم “ثقة”. فيما عامل الثقة هذا كانت له الكلمة الفصل في التزام صيارفة غير شرعيين بالإضراب الأخير لـ”النقابة”.
فتّش عن الصرافين الكبار!
يختصر هذا الصّراف دورة دولار السوق السوداء بالقول: “هناك صرافون غير شرعيين صغار يسلّمون الكبار منهم، الدولارات التي يجنونها، ليسلموها بدورهم لوسطاء
لهم في مصرف لبنان، ليبيعها المصرف للناس عبر منصة صيرفة”، علماً أن حاكم المصرف المركزي اعتبر تلك الاتهامات “سخيفة”، ونفى اي علاقة له بالصرافين في السوق السوداء في آخر مقابلة تلفزيونية معه.
وعن الاعلان عنها قبل أيام، يوضح الصراف: “لا نقابة لصرافي السوق السوداء بالمعنى الفعلي للنقابة”، وهو ما أكده صراف آخر لـ”المدن”،
مجمعاً وزميله، وهما من منطقتين مختلفتين،
على أنّ إعلان الإضراب أتى كردّ فعل تضامني مع أحد أكبر الصرافين في بيروت.
في التفاصيل، يوضح الصراف غير الشرعي أنّ “إعلان الإضراب أتى بعد مشكلة وقعت بين صراف كبير ومن ينسقون معه من طرف مصرف لبنان، إذ خالف هؤلاء اتفاقاً حول تسعيرة لشراء الدولارات منه، فكانت خسارة الأخير فادحة”.
والصيارفة الصغار في خدمة الكبار، إذ يجمعون
الدولار من السوق ويرسلونه لهم عبر وسطاء
يأتون إليهم من مناطق عديدة، أبرزها الضاحية.
منصات السوق السوداء… فلاش باك
وإذا كان هدف “نقابة صرافي السوق السوداء”، التأثير في سوق العرض والطلب للدولار عبر “الإحجام” عن البيع، فهذا الدور يتقاطع مع تطبيقات سعر صرف الدولار، لناحية تأثيرها في تسعيرة الدولار منذ بدء الأزمة.
قبل أيام، كشفت قناة “الجديد” عن أسماء ب
عض معدي تلك التطبيقات، ولم تحرك الدولة ساكناً لمحاسبتهم. والأسوأ من ذلك، أنّ هناك دراسة تعود للعام 2020، لشابّين لبنانيين من طلاب الجامعة اللبنانية،
هما مجد دهيني وحسن بدران، استطاعا
فيها كشف مبرمج ومالك أشهر تطبيق للدولار
في لبنان وقتها، USD MARKET، وكذلك الأمر، لم تحرك الدولة ساكناً.
في السياق، يقول مجد دهيني في حديثه
لـ”المدن”: “ليست هذه التطبيقات العامل
الفصل بارتفاع الدولار، لكنها تؤثر فيه”، ويستشهد
بوصول سعر الصرف مرّة للرقم 10452 أي بقدر مساحة لبنان الجغرافية “وهو أمر غير منطقي اقتصادياً”. ويضيف: “بحكم اختصاصنا في الأمن المعلوماتي، كشفنا هويات من يقفون خلف هذا التطبيق، عبر استخدام تقنية الهندسة العكسية،
reverse- engineering، التي مكّنتنا من الوصول إلى اسم مبرمج التطبيق، وهو وليد الحسن، سوري الجنسية ويقطن في تركيا ومبرمج لتطبيقين مشابهين للدولار، في سوريا وتركيا.
وبعد التعمّق أكثر، تبين ارتباط الحسن بشخص ثانٍ،
هو عمرو الشاوي، سوري الجنسية على الأرجح،
وهو صاحب الفكرة، ومقيم بين السعودية وألمانيا.
جهات مؤثرة
توقفت مهمة الشابين هنا، وبقيت وعود
المسؤولين بمحاسبة من يؤثر في العملة الوطنية من بوابة تهديد الأمن القومي، كسائر وعودهم، بلا ترجمة عملية.
والأكيد أنّ من يدير هذه التطبيقات ليست جهة
واحدة، ما يزيد من خطورة توظيف لعبة التحكم
في الدولار، حيث يتعدد المؤثرون بين
مصالح جهات خارجية وداخلية،
وسياسية ومالية، مع “مافيات” السوق السوداء.
لكنّ الأخطر اليوم، هو تطور أساليب التأثير
في سعر الصرف، وصولاً الى استحداث نقابة لصيارفة السوق السوداء، وكل هذا، وسط تلكؤ الطبقة السياسية عن معالجة الأزمة المالية والاقتصادية،
فيما تعاظم السوق السوداء للدولار، ليس سوى نتيجة للأزمة، لا المسبب لها.
https://beirut-elhora.com/category/%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af/