لسنوات طويلة ومتعددة، وعلى مدار مراحل مختلفة وكثيرة منذ تأسيس لبنان الكبير، عمل المسيحيون او قادتهم على الابتعاد عن التعاطي مع مختلف الشؤون المحلية وفقا لقاعدة الأقليات والاكثريات،
كما عمدوا الى مراعاة التوزيع الطائفي وفقا للاعراف المتبعة، ايمانا منهم بضرورة تأمين أرضية مريحة للشريك الآخر في هذا الوطن، ما يضمن عيشا واحدا وآمنا لجميع مكونات الجمهورية اللبنانية.
واللافت، ان معظم الطوائف اللبنانية الأخرى، اتبعت النهج نفسه وعملت بجهد على تثبيب القاعدة الذهبية القائلة بأهمية ان تعيش كل الطوائف في لبنان حالة من الطمأنينة ما يعزز فرص الاستقرار والازدهار.
وبطبيعة الأحوال وخلال اكثر من استحقاق أو منعطف، تم خرق القاعدة الذهبية المذكورة، ما ادى الى نشوب بعض الصراعات والخلافات التي اتخذت طابعا دمويا في الكثير من الاحيان.
وفي هذا الاطار، قد تنسى أو تتناسى بعض القوى المسيحية ما اطلقة البابا القديس يوحنا بولس الثاني خلال زيارته الى لبنان حين قال أن “لبنان هو بلد الرسالة”،
ففي هذا التعبير تأكيد واضح من البابا على أهمية ان يشهد اللبنانيون “للعيش معا” او “العيش الواحد” باعتباره ميزة لبنانية لا بد لها من ان تثمر نموذجا فريدا ليس في الشرق وحسب انما في كل انحاء هذا العالم المشتت والممزق.
من هنا كان لا بد من ان يدرك بعض القادة المسيحيون
اهمية الدور المناط بهم، الذي يتحوّل مباشرة الى فراغ او الى نوع من العبث في الوقت الضائع بحال ابتعاده عن اطاره الوطني الجامع، المتمثل في احترام رغبة الطوائف والحوار معها في شكل دائم بغض النظر عن المراحل وعناوينها.
لذلك، يبدو احترام رغبة الآخر هو الثابت الاساس وما عداه
هو شذود عن القاعدة حتى ولو اتى على يد “تغييريين
وسياديين”، وهذا ما أثبتته مختلف التجارب اللبنانية الحديثة منها والقديمة.
وفي هذا الاطار، تجدر الاشارة الى ان مفهوم الاقليات
والاكثريات داخل البيت المسيحي، والذي كان منتظرا منه ا
ن يعزز الحضور المسيحي في لبنان على كل الصعد،
عاد الى الواجهة من جديد منذ العام 2005، وظهر
في ابهى حلله خلال ما يعرف بـ”اتفاق معراب” والنهج الرئاسي الذي ادى اليه.
وهذا المفهوم نفسه وعلى الرغم من الاختلاف الشديد ب
ين مكوناته اي “التيار الوطني الحر” والقوات اللبنانية”،
يعود ليجمعهما في اكثر من استحقاق، لاسيما خلال
استحقاقي انتخاب رئيس لمجلس النواب وتكليف رئيس لتشكيل الحكومة.
وعلى هذا الصعيد، تبدو عملية تعداد التفاصيل
مملة لا بل غير مجدية، لذلك لا بد من النظر نحو الجوهر الذي دون اي مواربة يشير الى ان القوى المسيحية ( المسيحيون ) التي تعتبر نفسها، ويعتبرها البعض هي الوازنة والفاعلة،
اختارت عن سابق تصوّر وتصميم ان تقاطع
الشريك السنّي والشيعي، ولو كان للشريك
الدرزي استحقاق أيضا لربما اعتمدت معه الأسلوب عينه.
وبغض النظر عن خطورة هذه المشهدية وخطورة هذا الاداء الذي سيؤسس أكثر من اي شيء آخر لتغيير واضح واكيد بالهوية اللبنانية ان كتب له النجاح والاستمرار،
تبقى العبرة في كيفية تعاطي الطوائف الاخرى مع هذه الحركة التي قد تقع في خانة المقاطعة والانغلاق.
ولالتماس ردة فعل الطوائف الاخرى على هذى
المنحى الانعزالي، لا بد من انتظار أشهر قليلة حتى
تصل البلاد الى الاستحقاق الرئاسي وحينها لا ب
من ان يدرك المقاطعون انه لا يجوز لهم الطلب
من الشرائح اللبنانية الاخرى ان ينتخبوا من يجدوه مناسبا، فالمعاملة بالمثل قد تكون هي سيدة الموقف.
مواضيع ذات صلة
https://beirut-elhora.com/category/%d8%a7%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%84%d9%8a%d8%a9/