استعجال الاستحقاق البلدي… “تهتمون بأمور كثيرة والمطلوب واحد”!

لعل الاستعانة بكلام السيد المسيح وباحدى الآيات التي رددها منذ أكثر من ألفي سنة والتي ما زالت قائمة ومستخدمة حتى اليوم، هو خير ما  يمكن التعبير من خلاله عن واقع الحال إزاء محاولة البعض فتح ملف الاستحقاق البلدي منذ الأمس قبل اليوم، وكأن البلاد تنقصها استحقاقات، والعباد ينقصهم ما ينشغلون أو يفكرون  فيه.

فالآية التي وردت في انجيل القديس  لوقا (10: 38-42) والتي تقول “مَرْتا، مَرْتا، إِنَّكِ تَهْتَمِّينَ بِأُمُورٍ كَثِيرَة، وَتَضْطَرِبِين إِنَّمَا ٱلمَطْلُوبُ  وَاحِد…” تصف بشكل دقيق محاولة البعض غض النظر عن كل الفوضى الحاصلة والتصويب على الاستحقاق البلدي الذي، وعلى الرغم من اهميته، يبدو الحديث عنه مفتعلا ومبكرا.

ففي لبنان الجريح، وفي خضم الألم والنزيف الحاصل على كل المستويات الحياتية والاقتصادية والسياسية، يحاول البعض من أهل السياسة التفتيش والتنقيب عن عناوين وقضايا وملفات علهم يجدون من خلالها نوافذ نصر وربح وحصد للمزيد من الأكثريات الوهمية  وغير الوهمية،  في حين أن الخسارة الفادحة تملأ جيوب اللبنانيين وشوارعهم  ومنازلهم  وجامعاتهم  ومدارسهم  ومستشفياتهم  وحتى لقمة عيشهم.

ad

وفي هذا الاطار، انطلق في أكثر من منطقة لبنانية الحديث عن الاستحقاق البلدي، اي الانتخابات البلدية والاختيارية التي تم تأجيلها سنة واحدة قبيل الانتخابات النيابية الاخيرة، فأصبح موعدها المبدئي في شهر أيار 2023.

ومن دون اي شك لايمكن لأي أحد ان يقلل من أهمية

هذه الانتخابات نظرا لارتباطها المباشر بمصالح الناس

وهمومهم ، ونظرا لكون نتائجها تعبر عن تشكيل السلطة المحلية

التي يتواصل معها المواطن بشكل يومي بهدف تسيير

أموره وتلبية بعض احتياجاته التي يمكن للمخاتير أو البلديات البت فيها.

لكن وعلى الرغم من هذا، لا يمكن الذهاب بعيدا في

الحديث عن الانتخابات البلدية، ولا يمكن تحويلها الى

معركة وجود وأرقام، كما انه لا يمكن تشنيج الشارع

والعمل على تحريض المواطنين من الآن، فالفترة

المتبقية لبلوغ الانتخابات البلدية طويلة، كما ان

الاستحقاقات التي تسبقها عديدة وخطيرة، و

لا احد يعلم الحال التي ستكون عليها البلاد خلال ربيع العام 2023.

لذلك، لا بد من ان يدرك العاملون على خلق معارك

بلدية من اليوم بناء على نتائج الانتخابات النيابية، ان

المقارنة بين العمليتين الانتخابيتين تبدو غير منطقية وغير مجدية وذلك لعدة أسباب:

أولا: على الرغم من المحاولات الكثيرة لالباسها الصفة السياسية، تبقى الانتخابات البلدية لاسيما في القرى والبلدات والمدن الصغيرة مرتبطة بالملفات الانمائية وبالتوزع العائلي أو العشائري، لذلك تظهر اتجاهات المواطنين مختلفة في تعاطيهم مع الانتخابات البلدية. 

ثانيا: على صعيد القانون الانتخابي، لا بد من الاشارة الى ان الانتخابات البلدية ستجري وفقا للقانون الأكثري بينما تمت الانتخابات النيابية وفقا لقواعد القانون النسبي، وهنا اشارة واضحة لاختلاف أكيد على صعيد النتائج بين الاستحقاقين.

ثالثا: خلال الانتخابات النيابية، لجأ مختلف الافرقاء الى عناوين سياسية عامة والى طرح مفاهيم مرتبطة بالسيادة والممانعة والهجوم على حزب الله ومحاربة الفساد وغيرها

فهل يمكن اعادة استخدام العناوين نفسها خلال

فترة الانتخابات البلدية، لاسيما بعد الأداء اللافت

في مختلف الاستحقاقات الدستورية حتى الساعة؟

رابعا: بدا واضحا ان المال السياسي والدولار الانتخابي

فعلا فعلهما وأثّرا  بشكل مباشر على نتائج الانتخابات

النيابية، فهل سيتمكن من استخدمهما من اعادة

توزيعهما في صفوف المواطنين في أيار المقبل،

ام ان الجهات الممولة ستغض النظر عن الاستحقاق

البلدي باعتباره ثانويا عند مقارنته سياسيا بالانتخابات النيابية؟

خامسا: باختصار شديد وفي ظل كل الضغوطات

المستمرة والمتجددة، لا بد من طرح علامات الاستفهام

حول حماسة المواطن لاي استحقاق مقبل لاسيما الاستحقاق البلدي ان استطاع الصمود حتى بلوغه.

Exit mobile version