تُجري إدارة المناقصات صباح يوم الخميس المقبل (14 تموز)، لحساب المديرية العامّة للطيران المدني، مزايدة علنية لإدارة واستثمار مساحات مخصّصة للبيع بالمفرّق في مبنى محطّة الركّاب ومبنى الطيران العام في مطار رفيق الحريري الدولي – بيروت، أي “السوق الحرّة”، بعد انتهاء العقد الموقّع مع شركة “باك” (يملكها محمد زيدان) التي فازت بالمزايدة التي أُجريت في عام 2017 بعد تقديمها السعر الأعلى، وقد بلغ يومئذٍ 111 مليار ليرة لبنانية.
الإعلان ورد على الموقع الإلكتروني للمديرية العامة للطيران المدني، ومهّد له وزير الأشغال علي حميّة في تغريدة أعلن فيها إطلاق “مزايدة السوق الحرة في المطار عبر إدارة المناقصات، بحيث تُفضّ العروض في 14/7/2022″، موضحاً أنّ “سعر الافتتاح هو 850 مليار ليرة لبنانيّة، وعن كلّ راكب 3.5 دولارات…”. وقد تزامن مع حدث قضائي لا يقلّ أهميّة، وهو صدور قرار عن مجلس شورى الدولة يقضي إبطال مزايدة السوق الحرّة في مطار بيروت بعد نحو 5 سنوات على إجرائها، والمفاجىء أكثر أنّه حمَّل إدارة المناقصات مسؤوليّة إجراء مزايدة تفتقر إلى الشفافيّة وضمان المنافسة.
فما هي القصّة الكاملة لهذه المزايدة؟
وما هي المراحل التي مرّت بها؟ وما خلفيّات إبطالها؟
في 27 نيسان 2017، أُجريت في إدارة المناقصات مزايدة لإدارة واستثمار مساحات مخصّصة للبيع بالمفرّق في مطار بيروت، بالاستناد إلى دفتر شروط خاص وضعته وزارة الأشغال العامّة والنقل- المديرية العامّة للطيران المدني (يومئذٍ كان يوسف فنيانوس وزيراً للأشغال)، دقّقته ووضعت ملاحظاتها عليه إدارة المناقصات في التفتيش المركزي. أسفرت المزايدة عن رفع بدل الاستثمار من 15 مليون دولار في سنوات ازدهار لبنان السياحي إلى ما يزيد على 100 مليون دولار سنوياً في أيام الهبوط السياحي، آخذةً في الاعتبار البدل الثابت سنويّاً، مضافةً إليه العلاوة المتغيّرة والمرتبطة بعدد الركّاب المسافرين عبر المطار.
وفّرت إدارة المناقصات ظروف المنافسة كاملة للمزايدة، وتسلّمت 5 عروض للمشاركة فيها، حوّلتها وفقاً للأصول إلى لجنة التلزيم التي رفضت عرضاً عائداً لإحدى الشركات (شركة “ورلد دوتي فري غروب”)، لأنّ شهادة “الأيزو” المطلوبة صادرة باسم شركة أخرى غير الشركة صاحبة العرض الأساسي.
يتبيّن من محضر جلسة المزايدة أنّ العرض رقم 13877 العائد لشركة “ورلد دوتي فري غروب” وشركة 3DF القابضة بموجب عقد شراكة، قد “رُفض لتضمين الغلاف الأوّل نسخة عن شهادة آيزو 9001/2015 عائدة لشركة أخرى غير الشركة العارضة الأساسية خلافاً لأحكام دفتر الشروط الخاص بالمزايدة ولتوضيحات إدارة المناقصات”.
في إطار رقابته الإدارية المسبقة، عُرض الملفّ على ديوان المحاسبة الذي كلَّف خبير “آيزو” دراسة الملفّ، وأخذ رأي مؤسّسة المواصفات والمقاييس اللبنانية، فكانت النتيجة أنّ “قرار اللجنة برفض العرض في محلّه، وأن لا إخلال بموجبات المنافسة، فوافق على المزايدة بقراره رقم 1022 ر. م تاريخ 29-05-2017”.
أمّا الشركة فلجأت إلى قضاء العجلة الإداري، سنداً لأحكام المادة 66 من قانون تنظيم مجلس شورى الدولة، طالبةً إبطال قرار رفض عرضها من لجنة التلزيم، فتوصّل في قراره الابتدائي رقم 657 تاريخ 23-05-2017 إلى اعتبار
قرار لجنة التلزيم في محلّه، ولا يخلّ بمبادئ المنافسة. واعتبر أيضاً
مجلس الشورى نفسه غير مختصّ كقضاء عجلة في حكمه الاستئنافي
رقم 792 تاريخ 13-07-2017 كون العقد قد تمّ توقيعه.
في 14-08-2017، تقدّمت الشركة بمراجعة إبطال أمام مجلس الشورى
بالموضوع نفسه، مدليةً بالأسباب والوسائل ذاتها، طالبةً وقف تنفيذ قرار وزير الأشغال بالموافقة على المزايدة،
فردّ مجلس شورى الدولة طلبها، وذلك بموجب قراره الإعدادي رقم 3 تاريخ 05-10-2017. ثمّ عاد وأبطل
المزايدة بقراره رقم 495 تاريخ 26-05-2022، أي بعد حوالي خمس سنوات.
مع العلم أنّ أيّ وقائع جديدة لم تستجدّ على الملفّ لكي يُبرّر “تجميده”
طوال هذا الوقت، قبل أن يصدر قرار يناقض القرار السابق الصادر عن الجهة ذاتها،
مطالباً بإبطال المزايدة، ومحمّلاً إدارة المناقصات مسؤولية إجراء مزايدة تفتقر إلى الشفافية وضمان المنافسة.
لا تغيير في دفتر الشروط
وفق بعض المتابعين، فإنّ علامات الاستفهام أحاطت بالشركة المستدعية،
منذ لحظة تقديمها للعرض ورفضها من جانب لجنة التلزيم، أي قبل خمس سنوات.
وقد حاول أكثر من مسؤول مقرب من “التيار الوطني الحر” التدخّل في سبيل
رفع شرط “الآيزو” لكي تتمتّع الشركة بشرط المنافسة الجدّية، لكنّ إدارة المناقصات لم تستجِب لهذا الطلب.
يقول المعنيّون إنّ توقيت صدور قرار مجلس شورى الدولة، عشيّة الإعلان
عن إجراء المزايدة الجديدة، قد يستهدف الضغط من جديد على
إدارة المناقصات لرفع هذا الشرط من دفتر الشروط،
مع العلم أنّ وزارة الأشغال هي التي تتولّى وضع الدفتر، ولهذا سارع رئيس
إدارة المناقصات جان العليّة إلى التأكيد أنّه “أبلغ وزير الاشغال بأنّه لن يقبل بتغيير
دفتر الشروط لمزايدة السوق الحرّة في المطار، وقد أكّد الوزير أنّه لن يُمسّ أيّ حرف فيه”.
لكن هل يمكن لشركة “ورلد دوتي فري” أن تستند إلى القرار الصادر
عن مجلس شورى الدولة لكي تقفز فوق شرط “الآيزو”؟
وفق المعنيّين، فإنّ دفتر الشروط واضح، والقرار سيكون للجنة التلزيم
التي يجب أن تلتزم بمندرجات الدفتر، ولا يجوز الأخذ بنصّ القرار القضائي، لأنّه ليس مبرماً وقابل لإعادة المحاكمة، أي غير نافذ.
مع العلم أنّ المعلومات تؤكّد أنّ الشركة طلبت من وزير الأشغال إسقاط هذا الشرط من الدفتر،
الأمر الذي لم يحصل، وتوجّهت بكتاب إلى إدارة المناقصات تطلب فيه خفض قيمة الأعمال
التجارية للعارضين إلى سبعة ملايين دولار، وهو شرط قد يسمح لشركات صغيرة الحجم
غير ذات خبرة في هذا المجال، من دخول المزايدة، لكنّ إدارة المناقصات لم تستجب لهذا الطلب.
أخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ قرار مجلس شورى الدولة قد يرتّب:
– أوّلاً، يمكن للمستثمر الحالي، أي شركة “باك”، أن يطلب إعادة الحال إلى
ما كان عليه قبل المزايدة، ويطلب تعويضه عن التكاليف التي تكبّدها طوال السنوات الخمس.
– ثانياً، يمكن للشركة المستدعية أن تتقدّم بمراجعة ثانية بعد ثبات عدم سلامة
إبعادها عن المزايدة، لتطالب بتعويض فائت على مدى السنوات الخمس.
لهذا رفع رئيس إدارة المناقصات إلى رئيس التفتيش المركزي جورج عطية مشروع إحالة
إلى “هيئة التشريع والاستشارات” في وزارة العدل لطلب إعادة المحاكمة في قرار
مجلس شورى الدولة، انطلاقاً من “الأضرار المالية التي قد تصيب الخزينة العامة
في حال أصبح قرار مجلس الشورى مبرماً، ولأنّ هيئة القضايا في وزارة العدل قد
خرجت عن الأصول المعتادة ولم تبلّغ إدارة المناقصات منذ عام 2017 بادّعاءات
الجهة المستدعية لتأخذ إجاباتها وتنطلق منها في صياغة لوائحها كممثّل للدولة اللبنانية أمام القضاء”.
كريستال خوري – اساس ميديا