في لبنان ما يعجز المرء عن فهمه، مجموعات وكنتونات منقسمة في ما بينها وغير متشابهة، ليس أسوأ من ذلك إلا خلط الدين والسياسة عوض إيجاد قواسم مشتركة. وهذا ما يحصل فعلاً في واقعنا المرّ، إذ منذ اليوم الأوّل ينقسم اللبنانيون إلى مجموعات نادراً ما يتمكّنون من كسر قيودها والتلاقي مع الغير، والفيديوهات التي تنتشر بين الحين والآخر خير دليل على ذلك.
لا يقتصر الأمر على الكبار، فللصغار حصّة لا يُستهان بها من هذه الظاهرة،
خصوصاً وأن البعض يطبّق مبدأ “العلم في الصغر كالنقش في الحجر”
في تنشئة أطفال بيئته. هنا يعتبر الاستاذ الجامعي والباحث في العلوم
الاجتماعيّة سمير خوري أنّ “هذه الحالة تتنقّل بين طائفة وأخرى في مواضيع مختلفة،
وهذا يعني أنّ الحالة الثقافية في لبنان لم تصل بعد إلى درجة من الوضوح للتفرقة
بين الشأن
الديني والشأن السياسي”، قائلاً لموقع mtv: “تأثيرات ذلك على المجتمع عدّة. أوّلها التوتّر داخل الجماعات
الذي يمكن أن يأخذ طابع الكراهية أو التعصب. وهذا يفضح أنّنا في لبنان لسنا في صفاء ثقافي”.
ويلفت إلى أنّه “إذا كان الهدف الانتفاع السياسي، يُسيّس الدين. وإذا كان الهدف
تبرير أمر معيّن نديّن السياسة”، مشيراً إلى أنّه في الحالتين “لا يكون ذلك
نافعاً لأنّ منطق السياسة شيء ومنطق الدين شيء آخر”.
وعن جعل الأطفال ينخرطون في هذه الأمور التي لا يعونها، يشرح خوري:
“هذه الأحداث ممكن أن تشكّل قاعدة لسلوكيات عنفية لدى هؤلاء الأطفال في المستقبل وهنا يكمن الخطر.
فهم سيُعانون من مشاكل مستقبليّة طبعاً لأنّهم لن يعيشوا في عزلة
إنّما هم سيعيشون مع أشخاص مغايرين عنهم خصوصاً في لبنان
حيث المجتمع متعدّد ولا يشبه الدول حيث المجتمع متشابه وهناك انسجام فكري أو عقائدي أو ديني.
كما أنّ ذلك سيخلق معضلة لديهم كأشخاص، إذ سيجدون أنّ عدداً كبيراً
ممن حولهم يُفكّرون بطريقة مختلفة وهم غير قادرين على إلغائهم أو التماهي معهم”.
وإذ يصف ذلك بـ”الفكر الداعشي”، يُشدّد على أنّ على الأهل النظر في أيّ مادّة فكريّة تُقدّم لأولادهم،
هل هي إنسانيّة أم تعصّبية؟ هل تُسهّل الحوار وتقبّل الآخر أم تغيّر النظرة وتجعل
من الآخر خصما أو عدوا أو جاهلا أو عميلا لمجرّد الاختلاف في الرأي والفكر معه؟”.
هذا عن الأطفال إذاً، أمّا على مستوى الجماعة، فـ”ممكن أن يتحوّل ذلك من كراهية مبيّتة إلى عنف وحقد مكشوفين وإلى تحطيم الثقافة اللبنانيّة” يختم الأخير.