اساس ميديا -نديم قطيش
ما عاد حزب الله يبذل أيّ جهد حقيقيّ لإقناع جمهوره أوّلاً ثمّ اللبنانييّن أنّ مهمّة سلاحه هي الدفاع عن مصالح لبنان وأهله.
التوقيت الإيراني للمسيَّرات الثلاث، الاستعراضية وغير المسلّحة، باتجاه حقل كاريش الإسرائيلي واضح..
لا توجد حاجة لبنانية في هذا التوقيت إلى إرسال مسيَّرات باتّجاه
حقل يقع خارج الحدود التي يطالب بها لبنان رسميّاً، بعدما أُسقطت المطالبات
بمنطقة اقتصادية تصل إلى الخط 29. أقصى ما يمكن قوله، أنّ حزب الله
يحاول إقامة توازن بين التنقيب في كاريش مقابل التنقيب في حقل قانا، وهو ادّعاء
سخيف في ظلّ بدء إسرائيل فعليّاً بالاستخراج والتخزين،
ولن يردعها عن الاستمرار في ذلك تحرّشات محسوبة من حزب الله.
ثمّة مَن يحتاج إلى “حركة” المسيَّرات “ولقطة” الفيلم الموزَّع ليقول
إنّه موجود وغير مهان ويردّ على الاعتداءات.. وهو ما لا يحتاج إليه اللبنانيون بالتأكيد
حقيقة الأمر أنّ توقيت وسياق المسيَّرات إيرانيّ صرف، انسجاماً
مع فكرة أنّ حزب الله يقاتل أو يمتنع عن القتال بحسب ما تمليه مصلحة إيران لا مصلحة اللبنانيين.
ليس من باب الصدفة أن تُنفَّذ عمليات المسيَّرات، في لحظة حسّاسة
تبدو فيها إيران عاجزة عن الردّ على ارتفاع حدّة الضربات الإسرائيلية المهينة في الداخل الإيراني كما في سوريا. فقبل
أيّام أقالت السلطات الإيرانية رئيس جهاز مخابرات الحرس الثوري،
حسين طائب. وجاءت هذه الإقالة بعد سلسلة عمليات اغتيال في الآونة الأخيرة
طالت مسؤولين في الحرس الثوري وعلماء نوويّين، وسط نقاشات حادّة علنيّة
وغير علنيّة بشأن فشل الحرس في مواجهة هذه الاغتيالات المنسوبة إلى
إسرائيل أو عدم الردّ عليها، ولا سيّما بعد الكشف عن إحباط عمليات أمنيّة إيرانية ضدّ إسرائيليّين في تركيا.
وفيما نشرت صحيفة “التلغراف” البريطانية تحقيقاً عن قيام السلطات الإيرانية بحملة
“تطهير” داخل الحرس الإيراني بعد مخاوف من اختراقه من جانب إسرائيل، كشفت
صحيفة “نيويورك تايمز” عن اعتقال السلطات الإيرانية اللواء في الحرس الثوري
الإيراني علي نصيري للاشتباه بتجسّسه لمصلحة إسرائيل.
فشل محاولة الدوحة
ترافقت كلّ هذه الانتكاسات الأمنيّة مع تعثّر سياسي ودبلوماسي
محرِج بعدما فشلت المحادثات غير المباشرة التي استضافتها قطر
والتي جمعت الولايات المتّحدة وإيران أخيراً في تحقيق اختراق أو تقدّم لإطلاق
المفاوضات بين إيران والمجتمع الدولي حول إعادة العمل بالاتّفاق النووي
بين إيران ومجموعة “5+1” الذي تمّ التوصّل إليه في عام 2015.
فعلى الرغم من تراجع إيران عن مطلب إزالة الحرس الثوري عن لوائح الإرهاب،
لا يبدو أنّ واشنطن في وارد المضيّ قدماً بالتنازلات الضخمة التي سوّق لها الإيرانيون في الإعلام وعبر التصريحات السياسية.
يفسّر هذا السياق عملية المسيَّرات الاستعراضية أكثر ممّا
يفسّره القول إنّ حزب الله معنيّ فعليّاً بحماية مقدّرات وثروات اللبنانيين،
ولا سيّما أنّه لا ينفصل عن خطوات تصعيدية كانت موضع احتفاء في
الإعلام الإيراني وكأنّها رسائل إيرانية عبر حزب الله.
فقد كان لافتاً أن تسلّط وكالة “تسنيم” الإيرانية المقرّبة من الحرس
الضوء الأسبوع الماضي على التهديد المتزايد لحزب الله لإسرائيل،
مؤكّدة أنّ ميليشيا الحزب أقامت 15 نقطة مراقبة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
تحتاج إيران إلى أن يرسل حزب الله رسائل محسوبة، نيابة عنها إلى إسرائيل،
علّها تعيد بناء شيء من الهيبة أو ترميم بعض قواعد التوازن. لقد أنهكتها استراتيجية
“رأس الأخطبوط” التي اتّبعتها حكومة نفتالي بينيت، والتي تفيد بأنّ إيران لا يمكن
أن تتمتّع بالحصانة في حين تتلهّى إسرائيل بالاشتباك مع أدواتها في سوريا وغزّة ولبنان.
في إيران ثمّة مَن يحتاج إلى أن يقول “بص الحركة ديه.. بص بص اللقطة ديه”،
كما تقول كلمات أغنية الكوميديان المصريّ أحمد حلمي!
الصورة والخبر
ثمّة مَن يحتاج إلى “حركة” المسيَّرات “ولقطة” الفيلم الموزَّع ليقول
إنّه موجود وغير مهان ويردّ على الاعتداءات.. وهو ما لا يحتاج إليه اللبنانيون بالتأكيد..
إلى ذلك تُفسَّر عمليات المسيَّرات غير المسلّحة، في جانب من جوانبها،
بتزامنها مع الاجتماع الوزاري التشاوري العربي في بيروت، بمشاركة
عدد من وزراء الخارجية العرب وممثّلين عنهم في لحظة عربية لبنانية
نادرة الحصول في السنوات الأخيرة، كأنّها تذكير لِمَن يعنيهم الأمر عربيّاً أنّ لبنان مقاطعة إيرانية يحكمها حزب الله.
بعد زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس تأتي “لقطة”
المسيَّرات لتقول إنّ إيران تحكم لبنان عبر ميليشيا حزب الله،
وتهيّئ عبر تجديد هذا الإعلان للمعارك السياسية المقبلة، ولا سيّما معركة رئاسة الجمهورية اللبنانية.
أمّا اللبنانيون فلا مَن يسأل عن رأيهم ولا مَن يدافع عن مصالحهم،
ولا مَن يتحرّك بهدف خدمة أيّ أولويّة من أولويّاتهم، في ذروة انتحال صفة الدفاع عنهم وعن بلدهم!