“ليبانون ديبايت”
هل تستطيع الحكومة تنفيذ وعدها لأصحاب الودائع التي لا تتجاوز الـ 100 ألف دولار، بردها بالكامل؟ الإجابة هي بالنفي المؤكد، وفق ما يكشف الباحث الإقتصادي الدكتور جاسم عجاقة، والذي يؤكد لـ “ليبانون ديبايت”، أنه في كل دول العالم لا يمكن لأي قطاع مصرفي، أن يقوم بردّ كل أموال المودعين الذي أودعوا أموالهم في المصارف في نفس الوقت، وهذا الأمر يعود إلى أن المصارف لا تحتفظ إلا بقسم من الودائع على شكل سيولة (عادة لا تتخطّى الـ 15%) والباقي يتمّ توظيفه في استثمارات على شكل قروض، وهذه الأخيرة لا تستحق كلها في نفس الوقت. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على لبنان، بل ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية وعلى أكبر إقتصادات العالم، وأهمّ المصارف العالمية، إذ من المستحيل ردّ أموال كل المودعين في وقت واحد.
ويشير الدكتور عجاقة، إلى ما يعرف بنسبة “الكاش” لمجموع الأصول، حيث أنه وفي الولايات المتحدة، لا تتخطى هذه النسبة العشرين في المئة، وخلال الأزمة المالية العالمية في العام 2008 تدنّت إلى 2%”.
ويوضح أن “المنهجية الواردة في خطة التعافي الحكومية بإعادة كل الأموال، ليست المنهجية الصحيحة مع عدم قدرة الحكومة على ردّ الودائع بقيمتها الحقيقية”.
ويُضيف “إذا كان مودعاً يملك مئة ألف دولار في أحد المصارف اللبنانية، واستطاع الحصول عليها نقداً من المصرف، فسيكون أمامه خيارات ثلاثة للتصرف بها: الأول هو تحويلها إلى الخارج، والثاني حفظها في المنزل، والثالث أن يقوم بشراء أصول معينة كي يحافظ على قيمتها، ولذا فهو ليس بحاجة لوديعته كلها، بل لقسمٍ منها، وبالتالي، هذا القسم هو المفتاح للمنهجية التي يجب أن تتّبعها الحكومة، أي أن تضع خطةً مبنية على تأمين حاجات المودعين الفعلية بعد التأكد منها، على أن يبقى القسم المتبقي في المصارف، شرط عدم المسّ بها أو الإقتطاع منها بضمانة الحكومة. ومن الممكن تحديد هذه الحاجات، بتحويل الأموال للطلاب أو طبابة أو الإستيراد الفعلي… وغيرها.
وأمّا عن الخطة الحكومية التي تقوم على مبدأ الهيركات، وتنصّ على ردّ الودائع التي لا تفوق المئة ألف دولار، فيقول إن “الكلّ يعلم أنه من المستحيل تنفيذها، لأن قيمتها تتخطى قدرة القطاع المصرفي، وقدرة الدولة اللبنانية في الوقت الحالي، لذا، فإن ردّ الودائع لما دون الـ 100 ألف دولار، ستتطلب سنوات عدة، وبالتالي، من غير الممكن تنفيذ هذه الخطة وضمان ردّ وديعة المئة ألف دولار التي وعدت بها الحكومة بقيمتها الحقيقية، ناهيك أن أي قانون يمسّ بالودائع هو غير دستوري”.
من هنا، يركز عجاقة، على أهمية تزامن خطة التعافي مع تطبيق
قانون الكابيتال كونترول الذي يضبط عمليات تحويل الأموال إلى الخارج،
وتحديداً “الكاش”، إذ أن التاجر الذي يحوّل 150 ألف دولاراً للإستيراد،
يشتري هذه الدولارات من السوق اللبنانية، سواء كانت منصّة صيرفة أو من السوق السوداء،
ومن غير المضمون أن تخصص كلها لشراء البضائع والسلع، وبالتالي
فإن هذا التاجر يستهلك الكتلة النقدية الدولارية، ولا يترك فرصةً لغيره
من المواطنين للإستفادة منها، لذلك، فإن قانون الكابيتال كونترول
ضروري من أجل إعادة الثقة بالإقتصاد وبالقطاع المصرفي.
كذلك شدد على ضرورة الحدّ من عمليات التهريب للسلع المدعومة من مصرف لبنان،
كالقمح مثلًا، ما معناه باللغة النقدية أن دولارات من السوق اللبناني تذهب إلى الخارج،
لأن ما يتمّ تهريبه يُسدد ثمنه بالعملة الأجنبية التي يحصل عليها المهرّبون نقداً في لبنان،
أو عبر حساباتهم في الخارج، وفي الحالتين الخلاصة واحدة وهي هروب الدولارات.
وعن الإصلاح المتعلق بالقطاع المصرفي، قال عجاقة إن “لجنة الرقابة على المصارف
أعدّت دراسة في شباط 2021، لتبيان مدى تطبيق كل مصرف من المصارف للتعميم 154،
الذي يفرض على المصارف زيادة عشرين بالمئة من رأس مالها، و3% سيولة على حساباتها في الخارج،
وهو ما سمح لها بالإطلاع وبالتفاصيل المملة،على وضع المصارف المتعثرة،
وبالتالي من المفروض أن تكون هذه الدراسة ركن أساسي لشرط صندوق النقد الدولي بتقييم أو 14 مصرف في لبنان”.
وعن الإصلاحات في القطاعات الرسمية، يؤكد عجاقة أنها “كثيرة
ولعل أهمّها على الإطلاق إصلاح قطاع الكهرباء، بعدما أصبح
من غير الممكن أن يحصل اللبناني على الكهرباء، من دون أن يدفع مصرف لبنان الدولارات وبأرقام خيالية”.
ويشير إلى أنه “إذا كانت الدولة عاجزة عن تأمين الكهرباء،
فلتحرّر هذا القطاع كلياً وتحوّل تشغيله إلى القطاع الخاص،
مع العلم أن مجموعةً كبيرة من المواطنين تتكل على الطاقة الشمسية لتأمين الكهرباء.
ما يعني أن اللبنانيين بدأوا الإستغناء عن الكهرباء “الرسمية”، ويؤمنون حاجتهم من الطاقة الشمسية”.