هل دخلنا زمن الفوضى البنّاءة؟ للأسف الفلتان الأمني الحاصل وانتشار السلاح المتفلت يوحي بأننا في حارة «كل من ايدو الو»، فالسرقات مدعومة والحرامية «مسنودين» والإشكالات المسلحة تتوسع رقعتها وكأننا في دولة «شريعة الغاب».
لا يختلف اثنان على أن ما يحصل في الجنوب اليوم خطير جداً، لا سيما أنه يأتي في ظل ظروف إقتصادية واجتماعية متدهورة للغاية، فكل يوم تقريباً إشكال مسلح في هذه البلدة وتلك، لعل جريمة الدوير التي لم تنته مفاعيلها الثأرية بعد أبرزها، إلا أن ما حصل في حناوية والحنية وصور وكفررمان وغيرها من البلدات من استخدام عشوائي للسلاح المتفلّت ينذر بكارثة كبرى، ويكشف فقدان الأحزاب سلطتها على الأرض، وهذا بحد ذاته مؤشر خطير على الاقتراب من الفوضى البناءة.
عن سابق إصرار وتصميم يقع المشكل اليوم، يختلف اثنان على ركن سيارة، أجرة محل، افضلية مرور، وربما على حديث عابر، يشهر سريعاً السلاح الذي بدأ يظهر بكثرة، وتبين أن نسبة كبيرة تخزنه وكأن الكل بدأ يتحضر لزمن الفوضى، لزمن القرار للسلاح، والسؤال أين سلطة الدولة؟ يقول مصدر متابع بأسف: «أغلبن مدعومين، ولا سلطة لأحد عليهم وما حدا قادر ع حدا، فغياب المحاسبة شرَّع الفوضى، وما يحصل ما هو إلا نتيجة حتمية لذلك».
بالأمس وقع إشكال بين شخص من آل حطيط من الدوير وآخر من آل ضاهر من كفررمان على خلفية الاختلاف على ايجار الشقة التي يستخدمها حطيط، وتطور الى إطلاق نار من اسلحة رشاشة، طبعا تدخل الجيش والاجهزة الامنية، ولكن من يوقف انحدارنا نحو الفوضى؟ فالجيش نفسه عجز عن التدخل في ايقاف الاعتداء على مستودعات احمد حطيط مرتكب جريمة الدوير قبل شهر، من قبل عائلة قبيسي وكأن لا سلطة للقانون على الأرض، فالثأر الذي يشتهر به أهل البقاع وبعلبك بدأ ينشط في الجنوب، وهو إنذار أكثر من خطير الى الفجوة التي تتمدد داخل القرى، لا أحد ينسى الاعتداءات المتكررة التي يقوم بها آل حطيط على القاتل من آل حطيط أيضاً وإحراق آلياته علماً انه في السجن، فالتصفية ما هي إلا الدعسة الأخطر في طريق الفوضى.
الفوضى نفسها تمددت إلى السرقات التي تنشط وتغزو القرى، ومعظم السارقين
كامل هوياتهم معروفة إلى درجة أن المسروق يدخل في تفاوض مع السارق لإعادة
المسروقات لقاء مبلغ مالي، ما يشي بأن الحرامية بدأوا يسيطرون على الساحة.
تشير مصادر مطلعة إلى «ان هناك اكثر من عصابة تم كشفها في الأسبوع الماضي،
واحدة تتعلق بتزوير العملة، وأخرى بالسرقات وواحدة بتعاطي المخدرات والإتجار بها،
ومعظم عناصر الشبكات معروفة، غير أنه لم يتم توقيف أحد منهم لأنهم مدعومون»،
واكثر ما يستفز المصادر «أن والد أحد افراد عصابة السرقة،
اتصل بالقوى الأمنية وسلمهم السيارة التي استخدمها ابنه في إحدى السرقات،
فيما ابنه يتجول بحرية ويسطو على الدراجات والمحال والمنازل، وهو أمر بات
مستغرباً الى درجة بات السارق معروفاً ولا احد يقبض عليه، على العكس يجري
التفاوض معه لاستعادة المسروقات، التي طالت حتى التوابيت وخزانات الالمنيوم على المقابر».
توسعت رقعة السرقات في الفترة الماضية وباتت تهدد أمن بلدة الجرمق،
وقد رفع أهلها الصوت لايقاف مجزرة السرقات بحقهم، فالحرامية يقتحمون
منازل البلدة ليلاً نهاراً، مستغلين غياب اهلها عنها، ويسطون على كل شيء حتى نباريش المياه لم تسلم منهم.
منذ عدة اشهر ومختار الجرمق فارس خطار يرفع الصوت، هو نفسه الذي
يخشى ان تهدد السرقات الوجود المسيحي في البلدة الاصغر في قضاء جزين،
بالكاد يتجاوز عدد سكانها 11 منزلاً، فيما معظم منازل اهلها خاوية، إما في بيروت او الغربة، وهو ما يستغله الحرامية.
ويكشف خطار ان السرقات تتزايد منذ اشهر، فأكثر من منزل تعرض للسرقة
وبعضها سرق مرتين ويأسف ان تهدد السرقات امن اهالي الجرمق، فالخشية أن يعود سكان البلدة ويجدوا منازلهم
فارغة حتى من أثاثها، ولم تسلم منها المزروعات في الحقول ايضاً، وهذا مرده
بحسب المختار فارس الى خفة التعاطي مع الحرامية، «مش مقبول ان يتحول
كل مواطن خفيراً على منزله، وإلا لِمَ وجود القوى الامنية، أضف ان مكان
بيع المسروقات معروف وبالتالي الكشف عن هوياتهم سهل فلماذا التخاذل؟»
وبحسبه «هناك تقصير واضح بهذا الملف، والأجدى متابعته بشكل حثيث لأن الأمر بات يهدد أمن سكان الجرمق».
لا يختلف اثنان أننا في بلد «حرامي بسمنة وحرامي بزيت»، على قاعدة «المدعوم ما فينا ليه»،
وهو ما مكّن عصابات السرقة من التمدد اكثر، ويستغلون الشباب الصغار لحاجتهم للمال
في هذه الظروف، ولكن من يحتال على من؟ ومن يدعم من؟ فتجارة المخدرات نشطة
في منطقة النبطية، أبطالها معروفون بكامل هوياتهم، ووفق المعلومات فإن آخر شبكة
كشف النقاب عنها والتي تروج المخدرات وفق طرق متعددة في المنطقة، ولا تسلم النرجيلة
وحتى القهوة منها، لم يلق القبض على أحد منها، بقيت حرة طليقة، تسرح وتمرح،
لا تخفي مصادر أمنية متابعة خطورة ما يحصل والاستخفاف الحاصل في التعاطي
مع شبكات السرقة وحتى الترويج للمخدرات والعملة المزيفة، وبحسبه فإن
هذا يمهد لمزيد من التمزق داخل المجتمعات، فأهلا بكم في معقل الفوضى البناءة.
رمال جوني – نداء الوطن