تناول الصحافي جورج بكاسيني، في مقال له بعنوان “تقسيم بيروت : تفاهم معراب “العميق”، نشر عبر موقع “مستقبل ويب”، ما يحكى عن نية لتقسيم بلدية بيروت، رابطاً ذلك بتفاهم معراب الذي وصفه بالسري وغير المكتوب.
وانتقد بكاسيني نائبا التيّار والقوات نقولا صحناوي وغسان حاصباني، قائلاً، “يصعب على المرء أن يتخيّل أنه يمكن لنقولا صحناوي وغسان حاصباني أن يُغيّرا وجه العاصمة”، مضيفاً، “يصعب على اللبنانيين أن يصدّقوا أن أشرفية فؤاد بطرس ونصري المعلوف ولور وجوزف مغيزل رحمهم الله أصبحت فضاءً مفتوحاً للنائبين المذكورين يعبثان به”.
وأشار الى أن “المناصفة” كرّست عرفاً أقوى من الدستور، وتباهى بها الحريري الأب والإبن أمام اللبنانيين والعالم، بوصفه جزءاً من “الرسالة ” اللبنانية التي تحدّث عنها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني.
وشدد على أن، “هذا الزكام السياسي الذي يفوح من أفواه الثنائي المذكور يُعيد اللبنانيين الى ذاكرة الحرب وخطوط التماس التي أسقطوها كما سقط جدار برلين”.
ورأى أن “تقسيم بلدية بيروت هو تقسيم فعلي وعملي للعاصمة وللجمهورية بأسرها .هو”احتلال طائفي” للمدينة أخطر من “الإحتلال الإيراني” أو الإسرائيلي أو غيرهما من الإحتلالات والوصايات التي تعاقبت على بيروت”، متهماً “التيار والقوات بالسعي الى تقسيم بلدية بيروت”.
وأكد بكاسيني أن “هذه عيّنة من نتائج (وأسباب) عزوف الرئيس سعد الحريري عن المشاركة في الإنتخابات”.
وجاء في المقال ما يلي:
وسط التحوّلات التي تعصف بالإقليم والعالم، وفي أوج التموضعات العربية والأوروبية والروسية والصينية الجديدة التي بدأت تُغيّر وجه العالم، لم يتورّع “الموارنة الجدد”، أي التيار”الوطني الحرّ”
و”القوات اللبنانية”، عن النكأ في جراح اللبنانيين المستدامة، واستنفار عصبيات قديمة –
جديدة لدى المسيحيين تحت عنوان “تقسيم بلدية بيروت”.
للوهلة الأولى تعود بنا الذاكرة إلى تفاهم معراب “العميق”، أي “التفاهم”
السّري وغير المكتوب، والذي يُفسّر وحدة هذا التقاطع، لا بل التطابق الصريح في الموقف حول هذا الملف،
بين طرفين لدودين. على أن التجارب العديدة التي أعقبت هذا “التفاهم” تُثبت
بما لا يرقى إليه الشّك أن ركيزته الأساسية تقوم على مبدأ:” يمكننا الإختلاف
عندما نستطيع الاقتصاص من بعضنا البعض، وعندما تُتاح لنا فرصة الإقتصاص من المسلمين .. نتّفق “.
هذا بإختصار إقتباس من ثقافة قبلية عرفتها مئات القبائل المسيحية وغير المسيحي
ة عبر التاريخ، من الجزيرة وصولاً إلى سيريلانكا.كما يكاد يكون إجتراراً لنظرية
التفّوق العرقي في الولايات المتحدة الأمريكية (“حليقو الرؤوس” و”القوميون البيض”)،
أو في ألمانيا (“النازية”).. رغم تحقّق المساواة في التطور الثقافي والإجتماعي
والإقتصادي بين اللبنانيين قبل الإنهيار بزمن طويل، وإستمرار هذه المساواة
مع التدهور الثقافي والإجتماعي والإقتصادي بعده.
للوهلة الثانية يصعب على المرء أن يتخيّل أنه يمكن لنقولا صحناوي
وغسان حاصباني أن يُغيّرا وجه العاصمة، الأمر الذي لم تقوَ عليه جيوش
ووصايات وفوق ذلك حرب أهلية دامت 15 عاماً. صحيح أن العقل اللبناني
في محنة وأن ركائز الدولة الوطنية في أزمة.لكن يصعب على اللبنانيين
أن يصدّقوا أن أشرفية فؤاد بطرس ونصري المعلوف ولور وجوزف مغيزل
رحمهم الله أصبحت فضاءً مفتوحاً للنائبين المذكورين يعبثان به، كما يشاءان على نحوٍ يخالف تاريخ بيروت وجغرافيتها.
أما في الوهلة الثالثة، فيحزّ في نفس الكثيرين من جيل “الحريرية السياسية”
ما آلت إليه الأمور في هذا الزمن الرديء ، بعد أن كرّست “المناصفة”
عرفاً أقوى من الدستور، وتباهى بها الحريري الأب والإبن أمام اللبنانيين والعالم،
بوصفه جزءاً من “الرسالة ” اللبنانية التي تحدّث عنها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني.
هذا الزكام السياسي الذي يفوح من أفواه الثنائي المذكور يُعيد اللبنانيين
الى ذاكرة الحرب وخطوط التماس التي أسقطوها كما سقط جدار برلين.
إن تقسيم بلدية بيروت هو تقسيم فعلي وعملي للعاصمة وللجمهورية بأسرها .
هو”احتلال طائفي” للمدينة أخطر من “الإحتلال الإيراني” أو الإسرائيلي أو
غيرهما من الإحتلالات والوصايات التي تعاقبت على بيروت.
إن السعي الدؤوب لتقسيم بلدية العاصمة يكشف النقاب عن سبب
من إثنين: إما أن “التيار” و”القوات” عاجزان عن الحفاظ على المناصفة
في البلدية بعد “عزوف” الإعتدال عن المشاركة في
الاستحقاقات الإنتخابية. وهذا يُدين الطرفين معاً باعتبار أن أداءهما السياسي
كان من بين الأسباب التي قادت الى هذا “العزوف”. وإما أن الثنائي المشار
إليه قرّر الإنفصال (أو الإنعزال لا فرق) عن الطوائف الأخرى، علماً أن الطرفين
يتسابقان على المديح بالطائفة الحليفة، أحدهما بالسنّة والثاني بالشيعة.
هذه عيّنة من نتائج (وأسباب) عزوف الرئيس سعد الحريري عن المشاركة في الإنتخابات:
حروب “إلغاء” لا تنتهي، وعصبيّات مدمّرة، وحسابات “دكّنجية” لا تمتّ الى
المسؤولية الوطنية بصلة.. وثقافة طائفية مقيتة حتى النخاع.
من لا يقوى على ضمان ميزة لبنان وتنوّعه في بلدية، لن يكون مؤهّلاً
لإدارة تنوّع جمهورية أو طائفة أو حيّ أو محل بقالة..لا اليوم ولا بعد مئة عام.