المصدر: نداء الوطن
قمة الاستفزاز أن يستخدم وزير في حكومة تصريف الأعمال فعل «التبشير» للإعلان عن ارتفاع سعر الخبز إلى 30 ألف ليرة.
وأن يبرر وجود شقيقه في الوزارة بأنه أتى به «ليكمش الحرامية» الذين يسرحون ويمرحون بين مكاتبها وفي أروقتها، وذلك رداً على اتهام بـ «شبهات حول تورط الشقيق في شبكة مؤلفة من كبار الموظفين والسماسرة المحميين تتقاضى عمولات مقابل تسيير ملفات وتأخير أخرى، ورعاية اتفاقات بين الشركات المستوردة». مع الإشارة إلى أن هذا التبرير هو دليل وإقرار واعتراف باستغلال السلطة وتحويل المرفق العام إلى مؤسسة عائلية تبغي الربح في «حارة كل من إيدو إلو».
لكننا في لبنان، حيث يمكن للفاسدين واللصوص أن يتباهوا بإنجازاتهم على الملأ. وأن يُروِّجوا لأنفسهم كشخصيات تغييرية يليق بها تسلُّم مقاليد السلطة، وأن يشكوا من الفساد والفاسدين، في حين يكثر الهمس بشأن الصفقات التي استفادوا منها على حساب المواطن المتواطَأعلى حياته وصحته وأمانه معهم، لذا أعاد انتخابهم وأعاد لهم سلطة التحكم بمصيره.
والاستفزاز الذي يضرب على وتر من يرفض هذه المنظومة شكلاً ومضموناً، يتحول استغباء لدى من يجد لبعضها مبررات وظروفاً تخفيفية، ليتَّهِم فقط من تصوره له عدواً بكل الموبقات التي نشهدها.
والأنكى أن يرد وزير على وقائع السرقات الموصوفة بالتأكيد انه شكَّل
«خلية طوارئ تضم وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة الاقتصاد لمعالجة الأزمة».
وبالطبع تمر الشهور والسنوات من دون أن تتم معالجة الأزمة وغيرها من الأزمات،
على الرغم من «العمل الجاري مع القضاء والأجهزة الأمنية والنتائج ستظهر سريعاً،
والعمل على الأرض هو الإجابة على أي مشكّك بعمل الوزارة».
ولا تهمه مراكز الدراسات والأبحاث الدولية التي تشير إلى أن لبنان
في مركز الصدارة العالمي لمؤشر «الأسوأ» في نوعية الحياة،
بعدما حازت بيروت المرتبة 242 من أصل 248 مدينة حول العالم شملها تقرير دولي،
وأنها تبوأت الصدارة الإقليمية في غلاء المعيشة بين المدن العربية.
أو أنه يرحب بمثل هذا التقرير لعل الحاجة ترتفع إلى عبقرياته التي تنتظر مرتبة أعلى لتتفجر.
فالاقتصاد ملعبه، والتحدي سمته بوجه التضخم المفرط الذي
تعدّى 1000 في المائة، ووصول نحو 80 في المائة من السكان إلى تحت خط الفقر، وفقاً للتقارير الموثقة الصادرة.
لكن لو يفسر لنا معاليه القابض على أسرار الاقتصاد كيف أن لبنان
الأسوأ في نوعية الحياة والأغلى معيشيا كنيويورك. فالمنطق
يربط بين الغلاء والرفاهية، لأن من يدفع ثمناً باهظاً لسلعة ما يجب
أن يحصل عليها بأرقى المواصفات، وليس العكس.
أم انه سيكتفي بإنشاء خلية أزمة تتابع الموضوع، ويؤكد أنه يقوم
بواجباته لكن الحق على غيره، لأن كل مرتكب مسنود، ما إن يتم توقيفه حتى يخرج حراً طليقاً.
وكأنه من كوكب آخر لا علاقة له بالعروة الوثقى للفساد والمحسوبيات
والاستثمار في «نظام الحصانات» و»الإفلات من العقاب».
أو أنه فاتح على حسابه، ينسج إنجازاته بمعزل عن الواقع والحاجة،
ويكتفي بنفسه وبشقيقه الذي أتى «ليكمش الحرامية».
فمعاليه واثق من نفسه وقوي. وقوته تؤهله لارتقاء المزيد
من المراكز العليا بغية «خدمة أهلنا» كما يطيب له أن يكرر في كل إطلالة على الجمهور.
هناك من يؤكد له انه محبوب وكفوء لما ينتظره من نجاح وتقدم. يبدو ذلك واضحاً عندما يتحدث عن قدراته الطليعية لإنقاذ البلد الأسوأ والأغلى.
هو يصدق نفسه ويكتفي بنفسه، وهذا بيت القصيد.