الاخبار
الانفجار في السجون اللبنانية آتٍ لا محالة إذا استمرّت الأوضاع على ما هي عليه. المسؤولون يتوقّعون أن الساعة الصفر لانفجار القنبلة الموقوتة قريبة، ولو أنهم لا يعرفون الطريقة التي سيعتمدها السجناء للتمرّد على واقعهم. مأساة السجن قديمة، وزادتها سوءاً الأزمة الاقتصادية المستفحلة وتداعياتها على يوميات السجناء داخل الغرف وعلى المحاكم والقضاة. السجون تواجه المجاعة وتختزن كل عوامل الانفجار
الموت «بين البابين»: الحاكم بلا الحكيم!
لا تُقدّم الدولة، فعلياً، إلى سجنائها اليوم سوى المأوى بالمجان. يعيش هؤلاء، تقريباً، على نفقة أهاليهم، باستثناء من يُتاجرون بالمخدرات داخل السجن ويدّخرون أموالاً يرسلونها إلى عائلاتهم. وكما بقية المواد الأساسيّة، فإنّ تأمين الدواء يقع أيضاً على عاتق الأهالي، علماً بأن هناك أكثر من 800 سجين في رومية فقط يعانون أمراضاً مزمنة (القلب، السكري، الضغط، التهاب الكبد، الأعصاب…). كما خارج السجن كذلك داخله، باتت الأدوية أيضاً مفقودة في صيدليات السجون (المراكز الصحيّة). موقوفون كثر تعرّضوا لمضاعفات صحية لتناولهم أدوية رديفة لا تتناسب ووضعهم الصحي، وبعض المرضى تعرّضوا لنوبات قلبية أدت إلى وفاتهم. بعض الأهالي يؤمّنون أدوية لأبنائهم، فيما كثيرون متروكون للقدر لعدم قدرة عائلاتهم حتى على زيارتهم. وفيما يشكو سجناء مرضى في سجن زحلة من عدم السماح لهم بإدخال الأدوية.
يؤكد بعض الأهالي، ممن تحدثت إليهم «الأخبار»، أن عدداً من الجمعيات تتولّى تزويد السجون بالأدوية، «لكن الكميات لا تصل كاملة وتتعرّض للسرقة من العناصر الأمنية». يروي سجين في رومية أنّ مرضى داء الشقيقة والأسنان والعظم مثلاً يعانون الأمرّين، «وقد اعتدنا سماع أنينهم لأن الأدوية التي اعتاد هؤلاء تناولها لم تعد موجودة، الـ Panadol وAdol وSurgam لا وجود لها بتاتاً.
والقيّمون على الصيدلية يعطوننا حبوباً لا نعرف أسماءها ولا تُسكّن الآلام». ويؤكد أن هذا ما دفع البعض إلى تعاطي الحبوب المخدّرة التي يتم شراؤها من داخل السجن لتسكين آلامهم، وخصوصاً أنّ الأطباء المناوبين صاروا قلّة. «كان طبيب الأسنان، مثلاً، يُناوب مرةً أسبوعياً، أما هذه الأيام فيأتي مرة شهرياً. البعض ينتظر دوره بلا جدوى، والطبيب يؤكد أن الكثير من المواد الطبية غير موجودة، فيما الموجود منها سيئ»
أما من يحتاجون إلى عمليات جراحية مستعجلة، فقد غسلت الدولة أيديها منهم. من يُنقل إلى المستشفى في حالة طارئة تطلب إدارة المستشفى من أهله الدفع بـ«الفريش دولار»، وإلّا تقوم بردّه إلى زنزانته للموت فيها.
يضحك أحد المسؤولين عندما يشير إلى أن هناك موقوفين بسبب غرامة لا تتعدّى الـ100 ألف ليرة، فيما تقدّر كلفة السجين الواحد على الدولة بما لا يقل عن مليون ليرة يومياً بين تأمين المياه والكهرباء والأكل والطبابة والأدوية لأكثر من 8 آلاف سجين موزّعين على 25 سجناً (نحو 6 آلاف في رومية الذي لا يتسع لأكثر من 1050 سجيناً) وأكثر من 1500 موقوف في النظارات وقصور العدل وأماكن الاحتجاز التابعة لقوى الأمن الداخلي (تتغيّر هذه الأرقام يومياً). علماً أنّ أكثر من 30% من نزلاء السجون اللبنانية والنظارات هم من السوريين.
الاكتظاظ صار مرادفاً لكلمة سجن خصوصاً مع الحديث عن أن النسبة تصل إلى أكثر من 300%. ويروي موقوفون أن بعضهم ينام على طريقة «التسييف» (على أحد جوانبهم) لأن الأعداد الموجودة في غالبية الزنازين في السجون المركزية تفوق القدرة الاستيعابية. سجن القبة أحد الأمثلة الحية، حيث يصل عدد النزلاء في الغرفة الواحدة إلى نحو 53، ويضم السجن ضعف قدرته الاستيعابية التي لا تصل إلى 600 سجين.
التمييز بين السجناء لا يتوقف على الزنازين وحسب. يتحدّث بعضهم عن فوارق اجتماعية وطائفية بين جناحٍ وآخر ومبنى وآخر. هذا تحديداً ما يحصل في رومية الذي يبذل المعنيون جهوداً لإحباط الإشكالات الطائفية داخله. لذلك، صار للسجناء السُنة (بغض النظر عن تهمتهم) مبنى خاص بهم هو «المبنى ب». فيما الغلبة في «الدال» للشيعة مع قلة من المسيحيين، أما «الأحداث» والنظارات الـ6 فـ«يسيطر» عليها المسيحيون، فيما «مبنى المحكومين» موزّع «مناصفة» بين المسيحيين والشيعة.
غلاء الأسعار دفع بـ«فريد» (اسم مستعار) وزملائه في «القاووش» إلى الاستعاضة عن شراء صناديق المياه من «الحانوت» بعدما وصل سعرها إلى 50 ألف ليرة (5 عبوات كبيرة)، بمياه الحنفيات، علماً أن هذه غير صالحة للاستحمام وتتسبّب بطفرات جلدية وأنواع كثيرة من الحساسية وأدت أحيانا إلى انتشار الجرب.
وهو ما ترويه الناطقة باسم أهالي السجناء والعضو في جمعية أهالي لجان الموقوفين في السجون اللبنانية رائدة الصلح، مشيرة إلى أنّ بعض السجون تعاني دورياً من انقطاع المياه مما يضطر السجناء إلى القيام بتحرّكات تمرّد. كما يؤكد أحد السجناء في سجن تبنين أن المياه تكاد تكون مقطوعة في معظم الوقت.
في المقابل، تنفي المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي هذا الواقع وتلفت على لسان أحد ضباطها إلى أنها متعاقدة مع شركات متخصصة لتأمين المياه في حال انقطاعها، إضافة إلى تركيب فلاتر في الخزانات للتأكد من جودة المياه، نافياً أن تكون المياه آسنة أو تعتريها أي مشكلة، لافتاً إلى أن لا جرب داخل السجون بل هي حساسيات جلدية ناتجة من قلة نظافة بعض السجناء.