لماذا تستعيد إسرائيل خيار “حرب الأيّام المحدودة” مع “حزب الله”؟
تظهر التطورات الاخيرة المتسارعة أن كلاً من “حزب الله” وإسرائيل وضعا نفسيهما في الايام القليلة
الماضية في موقع المواجهة المحتملة على خلفية النزاع الشرس على حقول النفط والغاز
الواعدة في عرض البحر قبالة البلدين، ودخلا مجبرين في نوع من المواجهة الكلامية
التي باتت أقرب ما تكون الى حرب استعراض قوة، والتلويح بخيارات واحتمالات يعلن
كل فريق عن استعاده لموعد المنازلة في وجه الطرف الآخر لدرجة أن كليهما صار
أسير هذه “العملية الاستعراضية اليومية” من الآن الى أجل غير مسمّى.
بناءً على ذلك فإن الراصد بدقة لمسار هذه العملية يلاحظ أن إسرائيل فتحت
أبوابها لحظة استدعت باخرة التنقيب والاستخراج اليونانية-البريطانية وأمرتها
بالوقوف على تخوم الحقول موضوع التنازع. والمعلوم أن الحزب ما لبث أن
تلقف هذه المناسبة فسارع الى إعلان قبوله “التحدّي” وتولّى مهمّة التصدّي،
فكان خطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي أعلن من خلاله إرساء معادلة
باتت بمثابة أمر واقع وعنوانها العريض لا استخراج لطرف دون آخر فإما مساواة وإما فلتذهب الامور نحو المواجهة.
وسرعان ما أعطى الحزب هذا التهديد والوعيد بعداً عملانياً متفجّراً عندما أرسل 3 مسيّرات تقصّد (كما قال)
أن تكون غير مفخخة لتطير فوق حقول التنازع. ووفق ما كشف الحزب تقصّد
أن تكون العملية برمّتها رسالة أولية وربط نزاع ليس إلا، وأن للحدث تتمّة آتية
حتماً إذا ما مضت تل أبيب قدماً في رحلة التحدّي والاستفزاز وشرعت في استخراج المخزون.
ومن يومها والطرفان يحرصان على تقديم إثباتات وبراهين يومية تشي بأنهما
“جادان ومستعدان” لكل الاحتمالات وأسوئها، فكان بذا احتدام ما يسمّيه خبراء الاستراتيجيا
“حرب الظلال” أي التهديدات واستعراضات القوة وتبادل إسقاط المسيّرات.
واللافت أن “حزب الله” كان يبدي حرصاً استثنائياً على تبيان أمرين:
– أنه أضاف الى ترسانته الصاروخية استعدادات لحرب بالجوّ والبحر عندما يتحدث
عن مسيّرات متفجّرة بحوزته فضلاً عن ضفادع بشرية وتقنيات مواجهة بحرية
تبدّت في ولوج عناصر من الحزب الى الحقول المتنازع عليها للتيقن من أنها لم تُسرق بعد.
– ترسيخ قناعة تضاف الى موادّ الصراع والسجال المحتدم ويتجلى في
ما أعلنه السيد نصرالله في إطلالته الأخيرة وبادر أخيراً أحد الذين يباح
لهم التعبير والإفصاح والتوضيح لمواقف الحزب وتوجهاته الشيخ والأكاديمي
صادق النابلسي عندما قال: “صارت قضية الغاز بين لبنان وكيان العدو مقياساً للأمن والخطر (في الإقليم)”.
واستدرك في توضيح قائلاً: إذا قبلت إسرائيل بالانصياع للمعادلة التي اعلن
عنها سيد الحزب وهي “الاستخراج في مقابل الاستخراج” فعندها سيحل الأمن وإذا أبت واستكبرت فهو ” الخطر الداهم القائم”.
ووفق تقديرات ينقلها عالمون بدواخل الأمور في الحزب،
فإن الحزب بات يستشعر أكثر من أيّ وقت مضى الآتي:
– أن إسرائيل تتعامل بكل جدّية مع خطاب الحزب وتحسب
له ألف حساب بدليل الحديث المتنامي في إسرائيل عن احتمال نقل منصّة كاريش لتأمين حمايتها.
– بناءً على ذلك بات الإعلام الإسرائيلي يتحدّث عن أن أداء الحزب
منذ الإتيان بالباخرة نجح في “تكبيل اليد ال#اسرائيلية الضاربة عن الفعل وأظهرها مرتبكة”.
إذن صار العقل الاستراتيجي الاسرائيلي مضطراً الى ابتداع المزيد
من المبرّرات والتفسيرات الموجهة الى العمق الاسرائيلي المهجوس
والقلق والى الخارج على حد سواء لدحض ما يشاع عن ضيق الأفق والخيارات في الكيان وهو يقارب أداء الحزب وخطواته.
وفي هذا السياق استعاد العقل الاستراتيجي الإسرائيلي “نغمة” الذهاب الى
“حرب الأيام” مع الحزب خياراً وارداً. وقد توقف الحزب خصوصاً عند ما ورد أخيراً في صحيفة
“يسرائيل هيوم” الشهيرة بتعبيرها عن دواخل عقل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وجاء فيه: “إن المؤسسة الأمنية الإسرئيلية تستعدّ لخوض تصعيد مع حزب الله قد يمتد لأيام عدة فقط”.
وتؤكد المؤسسة الأمنية الإسرئيلية في غرف مغلقة وتهديدات علنية أن إسرائيل
ستردّ بشدة على استفزازات “حزب الله”. لذا لا يُستبعد احتمال أن يؤدّي
ردّ إسرائيلي عنيف الى ردّ فعل قاسٍ من جانب “حزب الله” فتجد إسرائيل تالياً
نفسها أمام أيام قليلة من القتال في شمال البلاد.
الثابت لدى القيادة العسكرية للحزب أن مصطلح حرب “الأيام المحدودة”
ليس طارئاً على اللسان الإسرائيلي فهو متكرّر وعملية استرجاعه لا تأتي من فراغ.
ويقول الخبير بالقضايا الاستراتيجية العميد المتقاعد الياس فرحات لـ”النهار”:
اعتدنا أن تلجأ تل أبيب الى هذا المصطلح العسكري في كل مرة تستشعر
فيها أن الرأي العام عندها ممتعض من عجز حكومته وقيادته العسكرية عن مواجهة حاسمة مع تهديدات الحزب والمخاطر التي يشكلها.
ويضيف العميد فرحات “إن الترجمة الاستراتيجية لأي تهديد بـ”حرب
الأيام المحدودة” تتمثل في أن ثمة استعداداً من جانب رافعي هذا الشعار
لضربات حاسمة عاجلة وخاطفة لمراكز التحكم والسيطرة عند العدوّ
بحيث يفقد هذا العدو زمام المبادرة ويعجز عن الرد المفتوح الذي يستدرج حرباً مفتوحة تنطوي على مفاجات دراماتيكية”.
ورداً على سؤال أجاب “إن ما نملكه من تقديرات ومعطيات يشي باستنتاجين اثنين،
الأول أن الحزب يقظ ومتنبّه لكل الاحتمالات ولا يترك مجالاً للمفاجأة بما فيها
احتمال حرب الأيام المحدودة. والثاني أن المعادلات العسكرية الراسخة منذ حرب عام 2006 ما زالت تثبت
أن إسرائيل عاجزة عملياً عن اللجوء الى مثل هذا الخيار لأنه مكلف ولأنه استتباعاً غير مضمون.
لذا فهي لا تبدو في وارد تكرار تجربة حرب تموز ونتائجها المرة بالنسبة لها”.
ويخلص “لأن العدو يضع على طاولته كل هذه الوقائع ولأنه استطراداً يعلم كما الجميع
بأن الاستثمارات في الحقول المتنازع عليها وفي محيطها يقدّرها الخبراء بأنها بمليارات
الدولارات فالأكثر رجحاناً والأكثر حكمة الانصياع لتسوية مرضية للجميع”.
المصدر : النهار
لمزيد من الاخبار اضغط هنا