“حزب الله” يُطوّق إسرائيل بقوّة.. معطيات تكشفُ لحظة الحرب!
بشكلٍ مفاجئ، انقلبت الأجواء الإيجابية إلى سلبيّة في الداخل الإسرائيلي بشأن ملف ترسيم الحدود مع لبنان، فبات الحديثُ عن “تسوية” قريبة شبه مستبعدٍ في ظل آخر
التطورات التي تعاقبت على المشهد وتحديداً عقب اجتماع الكابينت الإسرائيلي، يوم الأربعاء الماضي، والذي تحدث عن إمكانية حصول تصعيد مع “حزب الله” مع وجود بوادر لـ”تطيير عملية ترسيم الحدود” وتأجيل استخراج الغاز من حقل “كاريش”.
الأجواءُ التي تبدلت سريعاً وأصبحت ضبابية ضربت بشكل كبير المسعى الأميركي الهادف للتهدئة، في وقتٍ تبين أن التخبط الإسرائيلي الجديد قد يكون مردّه إلى عدم تسليف “حزب الله” أي انتصارٍ جديد في المعركة القائمة، باعتبار أن سياق الأمور كان يصبّ في صالحه. فمن جهة، إذا وافقت إسرائيل على اتفاق ترسيم الحدود بأسرع وقتٍ ممكن، عندها سيكون “حزب الله” قد حقّق مُراده بهذا الأمر، في حين أن منح لبنان الحق في التنقيب سيعني أيضاً انتزاع الحزب لمطلبٍ جديد رفعه بقوّة، وبالتالي ستنتفي ورقة القوة الإسرائيلية بشكل كبير.
إذاً، ما ينكشف حُكماً هو أنّ كل المعطيات تشيرُ إلى أن ملف الترسيم قد يُصبح بحكم المؤجّل، ومن الممكن أن تدخلَ الأمور مرحلة المماطلة من جهة، ولحظاتٍ عصيبة عسكرياً من جهة أخرى. أما الأمر الأهم فهو أنّ إرجاء استخراج الغاز من كاريش سيرتدّ سلباً على المصالح الإسرائيلية،
وسيؤدي إلى مشكلة عميقة مع أوروبا التي تحتاجُ إلى الغاز الإسرائيلي بأسرع وقت ممكن. أما على الصعيد الأميركي، فإن الأمور باتت ضبابية أيضاً،
فالوسيط الأميركي آموس هوكشتاين سيعود إلى المنطقة بعد أسبوعين تقريباً لاستطلاعِ ما يمكن أن تؤدّي إليه المباحثات الجديدة بشأن ملف الترسيم، في وقتٍ بدا فيه “حزب الله” العنصر الأكثر ضغطاً في كل المعادلة.
ما الذي حققته إسرائيل حتى الآن؟
ما يتبين بشكل وثيق هو أنّ إسرائيل قرّرت عدم الخضوع لأي تهديدات. فبشكل عملي، ما يظهر هو أنّ الإيجابية التي برزت على خط الملف جاءت نتيجة الضغط الذي
مارسه “حزب الله” مؤخراً، ما يعني أن إسرائيل وجدت نفسها تُجاري ما يريده “حزب الله” من دون أن تشعر. هنا، كانت الوقفة
على ما يبدو، فجاء اجتماع “الكابينات” لينسفَ المسعى الأميركي أولاً بإنجاز ترسيمٍ سريع للحدود، في حين أنّ عنصر المواجهة بات حاضراً وبقوة على الرّغم من المطالب الأميركية لتجنب أيّ احتكاكٍ عسكري.
ورغم ذلك، فإن ما كسبته اسرائيل حتى الآن من كلّ
المشهد هو أنّ حقل “كاريش” بات من حصتها
الاقتصادية بموافقة لبنانية، والدليل على ذلك هو
أن بيروت طالبت بالخط 23 ولم تتحدث عن الخط
29 الذي يشمل “كاريش”. أما في ما خصّ الأمو
ر الأخرى، فلا مكاسب إسرائيلية أبداً، وما يتبين بشكل
واضح هو أن لبنان كاد ان يتقدم على العدو بمقترحاتهِ،
سواء من ناحية الحصول على موافقة أميركية كاملة
للتنقيب عن الغاز أو من خلال انتزاع ترسيم للحدود ا
لبحرية في ظلّ ضغط من “حزب الله“. وفعلياً، فإنّ الأجواء التي طرحت نفسها بقوة وجعلت إسرائيل تحسب ألف حسابٍ لخطوات جديدة مرتقبة مع وجود توقعات بأن تغيّر أميركا طريقة التفاوض. وحكماً، قد تدخل الضمانات الأمنية على الخط، بمعنى أن إسرائيل وأميركا ستطلبان من لبنان ضمانات رسمية بعدم التعرض لأي منصة خاصة بالنفط أو
بالغاز، كما أن الحديث عن مسعى لتكريس منصات غاز لبنانيّة هو في طليعة الأولويات، وذلك لجعلها تحت التهديد المباشر من قبل إسرائيل في حال حاول “حزب الله” تنفيذ عملية ضدّ مصالحها.
بشكل أو بآخر، فإنّ الموقف الإسرائيلي الجديد جاء نتيجة الضبابية التي ألمح إليها “حزب الله” مراراً رغم الإيجابية التي برزت. فمن ناحية الحزب، فإن الأجواء التي نُقلت عن أجواء جولة الوسيط الأميركي لم تكُن مُطمئنة رغم وصفها بـ”الجيدة”، وهو أمرٌ استطاع الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ترجمته بطريقة غير مباشرة حينما قال في خطاب، يوم الثلاثاء: “الأمور لم تُحسم بعد، وما فينا نقول فول إلا ليصير بالمكيول”.
شروطٌ جديدة.. ولكن، هل من حرب؟
صحيحٌ أنّ أميركا لوّحت بإمكانية إقدام لبنان على
التنقيب، لكن بالنسبة للحزب تبقى هناك سلسلة من الأمور الناقصة، إذ أن الطروحات العملية للترسيم ما زالت غير ظاهرة بشكل واضح، كما أنّ هناك جملة من النقاط التي لم تُحسم بعد وأبرزها المفاوضات غير المباشرة في الناقورة. كذلك، فإنّ هناك ضبابية بشأن آلية السماح للبنان
بالتنقيب عن النفط في كافة مياهه الإقليمية، كما أن هناك التباسات بشأن طريقة إدارة لبنان للمخزون النفطي الخاص به.. فمن هي الجهات التي ستسيطرُ عليه؟
هل ستكون شركة “توتال” هي الوحيدة الناشطة
في الشواطئ اللبنانية بشراكة أميركية أم أن العروضَ ستكون مفتوحة لأي شركة يمكن للبنان اختيارها؟
ضمنياً، يعتبرُ موقف “حزب الله” الذي أطلقه نصرالله مؤخراً،
مؤشراً على أنّ النقاش في ملف الترسيم بات ينتقلُ إلى مرحلة جديدة، في حين أن شبح الحرب قد يبتعد من حسابات الحزب في حالة واحدة وهي: انتزاع لبنان ضمانة واضحة بإمكانية التنقيب عن الغاز والنفط في كافة الحقول النفطية الموزعة في مياهه الخاصّة وليس فقط من الناحية الجنوبية. وحُكماً، إن حصل هذا الأمر،
فإن ذلك يعني انتفاءً لمُعادلة “كاريش” التي أرساها “حزب الله” مؤخراً، وبالتالي إبتعاد الأخير عن مُهاجمة أي قواعد نفطية إسرائيلية في البحر خصوصاً ضمن ذلك الحقل، وهنا يتحقق المكسب الإسرائيلي بطريقتين مباشرة وغير مباشرة على حدّ سواء.
تقولُ مصادر مواكبة لمفاوضات ترسيم الحدود
البحرية لـ“لبنان24” إنّ “هذه النقاط يجب أن تكون
واضحة في الموقف اللبناني، فالمفاوضات التي باتت
في مهب الرّيح حالياً، يجب أن تكون مُكتملة وغير مُجزأة”،
وتضيف: “عندما يسعى لبنان للحصول على ضوء أخضر ب
التنقيب، فإن ذلك لا يجب أن ينحصرَ في نقطة واحدة، بل
يجب أن يسري على كافة النقاط، وهناك فرصة ذهبية للبنان
في ذلك. وإذا منح الأميركيون لبنان الحق في التنقيب
عندها لن تكون هناك حُجّة بيد حزب الله لشنّ أي عملٍ عسكري”.
ad
ورغم “التصعيد الكلامي” الإسرائيلي مؤخراً، إلا أن ما يظهر هو أن تل أبيب لا تُعارض أي نشاط لبناني على صعيد الغاز، لكنّ هذا الأمر يحتاجُ إلى ترجمة عملية أميركية. إضافة إلى ذلك،
فإن مسار الأجواء الذي تنقله المصادر الإعلامية الإسرائيلية المفتوحة يكشف أن مسؤولين في الإدارة الأميركية طلبوا من إسرائيل ضبط النفس في حال تعرضت منصة الغاز في كاريش لهجوم من قبل “حزب الله“، إلا أن إسرائيل رفضت الالتزام بذلك، موضحة أن حجم الرّد يعتمد على نطاق هجوم “حزب الله” وعواقبه.
ماذا عن الشروط الجديدة التي قد يطرحها الحزب؟
حالياً، ما يبدو تماماً هو أن “حزب الله” قرّر المُهادنة قليلاً،
وقد بدا ذلك واضحاً في كلام نصرالله الذي أشار إلى أن “المقاومة تتكامل مع الدولة في موقفها حيالَ ترسيم الحدود”، أي التمسّك بالخط 23، وهذا الأمر يؤكد اندثار اعتبار حقل “كاريش” مُتنازعاً عليه.. إلا أن الأمور لا تنتهِ هنا.. فعلى الرغم من حسم أمر هذا الحقل والخط المرتبط به (29)،
إلا أن الحزبَ لم ينفِ استكمال معادلة “كاريش”، طالما أن حق لبنان لم يُنتزع بالكامل، والمهلة التي وضعها الحزب كفيلة بتبيان كل شيء.
وعليه، فإن الحزب سيقبل بالخط 23 شرط عدم تقديم
تنازلات أخرى بعد هذا الخط من الجهةِ اللبنانية. إلا أنه
في المقابل، قد يذهبُ “حزب الله” إلى وضعِ شروطٍ
متحررة من أي طرحٍ أميركي، وأساسها هو أن “عامل
الوقت” لن يكون مفتوحاً أبداً لمنحِ لبنان حقوقه. هنا، تحرّكت إسرائيل، الأربعاء،
لضربِ هذا الشرط بعدما أعلنت أن استخراج الغاز في أيلول قد يتأجّل، مع إشارة وزير الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار إلى أن الموعد المرتبط بالاستخراج حدده “حزب الله” وليست تل أبيب.
كذلك، فإنّ إسرائيل وجدت نفسها أمام ضغط أكبر
يرتبط بالشروط التي تتوالى عليها من دون أن تشعر. فبشكل واضح، ما يتبين هو أن الضغط الممارس على أوروبا يضغط إسرائيل أيضاً وقد يدفعها لتقديم تنازلات غير مسبوقة لصالح “حزب الله” الذي قد يطلب منح الحق للبنان باستقدام أي شركةٍ يريدها للتنقيب من دون فرضِ عقوبات عليها.
هنا، الخناق سيزداد على أميركا وإسرائيل، إذ أن
الحزب يسعى للتحرر من قبضة أميركية على حقول
النفط والغاز، وقد يفتحُ الباب لدخول
إيراني وروسي إلى المنطقة. وضمنياً،
فإن هذا الأمرَ، وفي حال طالب الحزب به، سيخلطُ الأوراق بقوة، وسيجعل روسيا قريبة من الأميركيين في البحر المتوسط مجدداً، في حين أنّ الشراكة في الغاز اللبناني ستتحقق، علماً أن شركة “توتال” تعتبرُ من أكثر الشركات العالمة بما تتضمنه الآبار النفطية اللبنانية من ثروات.
إلا أن ما لا يمكنُ إغفاله أيضاً هو أنّ استفادة لبنان
من الغاز هدفها “انتعاش اقتصادي” وخروجٌ من الأزمة،
ولكن ضمن “إطار سيادي”، بحسب توصيف “حزب الله“.
وفي حال وُضِعت تلك الشروط، فإن بعضها سيكونُ صعب
التحقيق وتحديداً عندما يتعلق الأمر بالتمدّد الروسي إلى
لبنان بموافقة من الحزب، والخوف هنا يكمن في
إنقلاب أميركي على التفاوض وعودة الأمور إلى نقطة الصفر.
في الخلاصة، ما يمكن استنتاجهُ تماماً هو أنّ إسرائيل
اليوم باتت في حالة من الضغط، في حين أن الذرائع
الموجودة حالياً على خط الترسيم واستخراج الغاز قد تكون
مرتبطة بمشاكل سياسية داخلية. فمن جهة، يمكن للقيادة
الحالية في تل أبيب أن ترى في هذا الملف بوادر خضوع
لـ”حزب الله” وهو أمرٌ لا يمكن تقبله تماماً من الناحية
الشعبية. ولهذا، كانت العراقيل الجديدة إلا أن الأمور لا
يمكن أن تبقى على حالها مدّة طويلة، فأوروبا تقترب
من الشتاء، والحاجة إلى الغاز الإسرائيلي كبيرة جداً ف
ي ظل استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية.
المصدر: خاص “لبنان 24”
لمزيد من الاخبار الرجاء الضغط هنا