التوطين في لُبنان صار حتميّاً.. وهذا ما يفعله النواب الأوروبيون حالياً
التوطين في لُبنان
أما وقد ضاع لُبنان بقضية النازحين بعد اللاجئين بسبب ما ارتكبه ساسته من أخطاء قاتلة في عدم التخطيط لاستقبال هؤلاء والتخلي عن إدارة ملفّهم للأمم المتحدة والمؤسسات الدولية،
فإن الضغوط الدولية لتوطين قسم كبير منهم مُرشّحة للتصاعد في الفترة المُقبلة.
تفيد معلومات أوروبية هنا في بروكسيل بأن عددا من النوّاب الأوروبيين
( على الأرجح من فرنسا وإيطاليا وألمانيا)،
سيطالبون في أواخر شهر أيلول المقبل باحترام لُبنان لحقوق الانسان والحق
في العمل ويدينون ما يصفونه ب ” سوء المعاملة والعنصرية”، ويشيرون
صراحة الى اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين. وستندرج مطالبتهم هذه
في سياق التقرير السنوي الذي يقدّمه الاتحاد الأوروبي في قضايا حقوق الانسان.
وكان مسؤولون أوروبيون (وآخرهم الالمان) قد طلبوا من لُبنان مُباشرة أو عبر مؤسسات
دولية بضرورة التفكير جدّيا في توطين قسم من اللاجئين والنازحين، وقال السفير
الألماني إن هؤلاء يستطيعون المساهمة في الاقتصاد اللبناني كما كان الشأن مثلا مع نظرائهم الذين استقبلتهم ألمانيا.
صحيح أن المطالب التي سيطرحها النوّاب الأوروبيون ليست مُلزمة، لكنها تهدف
الى خلق رأي عام دولي يصبّ في هذه الخانة، وذلك انطلاقا من القناعة الدولية
بأن عودة كل النازحين السوريين الى بلادهم باتت شبه مُستحيلة.
كذلك ثمة نقطة مهمة في هذا المجال تستند الى ما بات يُشبه العُرف الدولي،
بحيث أنه بعد مرور 9 سنوات على وجود نازح في بلد ما، يُصبح من الطبيعي
تسهيل اقامته وعمله عبر منحه الجنسية أو الإقامة طويلة الأمد.
يُريد المجتمع الدولي للدول الصغيرة مثل لُبنان والأردن الاعتياد على فكرة
التوطين كأمر حتمي لا مناص منه. ويطلب من هذه الدول ما لا يقبله لنفسه،
فالدول الأوروبية مثلا تنتقي بعناية من تريد استقبالُهم، وتضع كوتا لذلك بشروط صعبة تتعلق بعمر وهوية ومهنة طالب اللجوء.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن ألمانيا منحت الإقامة أو الجنسية لحرفيين سوريين
لأنها بحاجة الى هذه اليد العاملة، وبريطانيا لم تستقبل منذ 2015 حتى 2021 سوى 20 ألف شخص وبشروط صعبة في إطار ما يُسمّى ب ” إعادة التوطين”.
يوجد إجماع عند معظم المسؤولين الغربيين الذين يزورون لُبنان أو الذين عملوا على
ملف النازحين واللاجئين، يُفيد بأن الضياع والتخبط الرسميين اللبنانيين أمام هذه القضية
لا مثيل لهما في العالم، فمِن فتح الحدود عشوائيا لاستقبال النازحين، وصولا الى السذاجة
الحالية القائلة بإمكانية إعادة كل النازحين الى بلادهم، يبدو لُبنان الرسمي ضائعاً
ومتخبّطا وذلك لأسباب كثيرة بينها سوء الإدارة والطائفية والتنافس السياسي
وتقديم المصالح الشخصية والسياسية عند البعض على مصلحة الوطن.
فهل بات توطين قسم كبير من النازحين واللاجئين أمراً لا مفرّ منه؟ يبدو ذلك جليّاً للعارفين،
خصوصا أن اللبنانيين ما زالوا عالقين بالجدل العقيم: هل نتفاوض رسميا مع سوريا لإعادة
قسم من هؤلاء أم لا، وهم يعرفون سلفاً ان الدولة السورية لن تعيد القسم الأكبر منهم سوى
بشروط صعبة ومعقّدة جداً.
ارتكب لُبنان تاريخيا خطأ الاتفاقية مع القاهرة التي فتحت الساحات اللبنانية دون غيرها
من الساحات العربية للعمل الفدائي وبلا أي تخطيط، ثم ارتكب خطأ فتح الحدود عشوائيا للنازحين
السوريين وسط صراع داخلي بين المحاور حيال الحرب السورية، وها هو اليوم يرتكب الخطأ الثالث
بانعدام أي تخطيط عملي للتعامل مع هذه القضية. فالمنطق الدولي يفرض معادلة تقول إن
النازحين واللاجئين ينقسمون الى 3 فئات وعلى لبنان التعامل مع ذلك بواقعية: فئة قليلة
ستعود الى بلادها، وأخرى يعاد توطينها، وثالثة يتم تجنيسها.
غير ذلك سيكون في إطار الجدل السياسي العقيم، خصوصا ان الموقف اللبناني منقسمٌ جدا حول هذه القضية مهما وضعت عليه مساحيق تجميلية.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا