يُلهونَنا باتّهام عَوْنِ زورًا، والجريمةُ يرتكبُها ميقاتي ومجلسُ نوّاب برّي
ميقاتي ومجلسُ نوّاب برّي
لا عَوْن الرئيس يحقّ له البقاء في بعبدا بعد 31 تشرين الأوّل 2022، ولا حكومة ميقاتي المستقيلة يحقّ لها تولّي مهام رئيس البلاد، ولا نوّاب برّي يحقّ لهم عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية،
فدستور الطائف على علّاته واضح
بالشؤون الثلاثة هذه.
لا يوجد أيّ تلميح في الدستور يُتيح للرئيس البقاء في مركزه بعد انقضاء ولايته
، كما لا يوجد ايّ نصّ يفتح باب الاجتهاد في هذا الموضوع. الأمرُ محسومٌ، وللإنصاف، لا شيء يؤكّد أنّ لدى الرئيس النيّة في عدم مغادرة بعبدا.
في ما يتعلّق بحكومةِ ميقاتي المستقيلة؛
المادة 64 – (2) واضحة:
“… ولا تُمارِس الحكومة صلاحيّاتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال.”
تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق يعني ببساطة أنّه ليس بمقدور الحكومة التطرّق للمواضيع الأساسيّة التي حدّدتها المادة 65 – (5) بالتالية:
“تعديل الدستور، اعلان حالة الطوارئ والغاؤها، الحرب والسلم، التعبئة العامة،
الاتفاقات والمعاهدات الدولية، الموازنة العامة للدولة، الخطط الانمائيّة الشاملة والطويلة المدى…الخ.”
هل بإمكان معالي ميقاتي، ومَن همُّهم الأوحد التخلّص من عهد عون، أن يشرحوا لنا كيف
ستنتقل صلاحيّات الرئيس إلى حكومة مستقيلة، وهي ممنوعة بحسب الدستور من التعاطي في القضايا الأساسيّة!!؟ كيف توقّع اتفاقيّة ترسيم
الحدود؟ وبأيّ حقّ تفاوض البنك الدولي؟؟ وفي حال اعتدت إسرائيل على لبنان، مَن يأخذ القرار بالردّ والمواجهة!!؟
بالمناسبة، كيف لحكومة في مرحلة تصريف أعمال ضيّق،
ان تتقدّم بالأمس من مجلس برّي بموازنة عامة هي أكثر من أساسيّة في مصير البلاد!!!؟
فلا “يربّحنا حدا جميلِه” بأنّه عطّل النصاب ولم يتمّ التصويت على هذه الموازنة، إذ
الجلسة برمّتها ساقطة، وغير دستوريّة، ولا يحقّ لحكومة ميقاتي في وضعها
الراهن تقديم موازنة. (أنظر المادة 65 – (5) من الدستور)
في دَوْر مجلس برّي؛
المادة 73 من الدستور تنصّ على أنّه:
“قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهوريّة بمدّة شهر على الأقلّ او شهرين على
الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد،
وإذا لم يُدعَ المجلس لهذا الغرض فإنّه يجتمع حُكمًا في اليوم العاشر الذي يسبق
انتهاء ولاية الرئيس.”
النصّ واضح ولا غموض فيه ولا تعقيد، كما أنّه لا يترك أيّ ثغرة للنفاذ إلى عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة؛
ففي حال عدم وجود دعوة من رئيس المجلس، يبقى على المجلس
أن يجتمع “حُكمًا”. هل من حاجة لشرح كلمة “حُكمًا”؟
فهي تعني: وفقًا للقانون؛ حتمًا؛ بالتأكيد؛ للضرورة؛ أمرًا؛…الخ.
اختاروا المعنى الذي تُريدونه لـِ “حُكمًا”، فكلّ المعاني ستوصلكم إلى النتيجة نفسها،
أي في أقصى حدّ، يُنتخب رئيس جديد في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء
ولاية الرئيس الحالي!! النصّ لم يترك مجالًا لتعطيل النصاب، إذ حدّد أنّ
المجلس “يلتئم حُكمًا لينتخب”، ولم يُعطِ الخيار للنواب في هذا الشأن.
النصّ لم يتحدّث عن أكثر من دعوة واحدة لانتخاب الرئيس، وفي حال لم تتمّ هذه الدعوة للنواب، فهم ملزمون بالاجتماع جميعهم من دون استثناءات لانتخاب
رئيس للجمهوريّة. أمّا محاولات بعض الفقهاء ايهامنا بأنّ خلوّ سدّة الرئاسة
يشمل أيضَا انتهاء ولاية الرئيس، فهي باطلة وعارية من الصحة، لأنّ المشرّع
خصّص المادة 73 من الدستور لانتهاء ولاية الرئيس، وخصّص المادة 74
لخلوّ سدّة الرئاسة لأسباب أخرى كالاستقالة أو المرض أو غير ذلك، ولو كان
انقضاء ولاية الرئيس مشمولًا ضمن أسباب خلوّ سدّة الرئاسة الأخرى، لَجمع المشرّع المادتين 73 و74 في مادة واحدة.
في الخلاصة؛
الدستور يحتّم انتخاب رئيس جديد للبلاد في مدّة أقصاها 22 تشرين الأوّل 2022
الدستور حدّد في المادة 62 انتقال سلطة الرئيس إلى مجلس الوزراء وكالةً في حال
“خلوّ” سدّة الرئاسة لأيّة علّة، وكما شرحنا آنفًا “الخلوّ” لا يشمل انتهاء ولاية الرئيس
، ما يعني أنّ حكومة ميقاتي لا يحقّ لها استلام مهام الرئاسة،
لأنّه دستوريًّا وعرفيًّا وحُكمًا، لا يجوز، ومن غير الوارد، عدم انتخاب رئيس.
النواب مُلزمون بانتخاب رئيس جديد للبلاد وفي جلسة واحدة، فالبلاد لا تسير بلا رأس.
فإذا وضع ميقاتي وحكومته اليدّ على صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني في المرحلة القادمة، فهذا انقلاب على حقوق الموارنة.
وإذا تلكّأ المجلس النيابي في انتخاب رئيس جديد للبلاد قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي، فهذه هرطقة دستوريّة وخيانة عُظمى وانقلاب على حقوق الموارنة في الحكم.
أمّا الجريمة المشتركة الكبرى التي ستقع على عاتق مجلس النوّاب والحكومة
معًا في حال عدم انتخاب رئيس جديد، فتكمن في أنّهما يسهّلان للرئيس
عون أن يتجاوز النصّ المكتوب واللجوء إلى العرف القائل بإنّ رئاسة البلاد هي
للموارنة ولا يجوز تركها لحكومة على رأسها سنّي يُحرّكه الثنائي الشيعي.
عندها لا شيء سيمنع عون من البقاء في المنصب، أو سيعمد إلى تعيين رئيس ماروني على رأس الحكومة كما كانت تجري العادة في كلّ مرّة لا يُنتخب
فيها رئيس للجمهوريّة لأسباب قاهرة.
لا تُريدون لعون أن يبقى في بعبدا، إذًا انتخبوا رئيسًا جديدًا وفقًا لأحكام الدستور فورًا، واقطعوا عليه الطريق كي لا تتحمّلوا نتائج الانقلاب على الموارنة، إذ عندها لن ينفع القول إنّكم لم تتعلموا بعد أنّ هؤلاء الموارنة، على ضعفهم
وتشرذمهم، هم “حسكة في العرض لا يُمكن ابتلاعها”.
فَليُرينا هؤلاء الذين وعدونا بانتخابات نيابيّة للتغيير قوّتهم الآن. التغيير من داخل البرلمان يبدأ بتطبيق واحترام الدستور على مساوئه، وليس في جمع ثلث أصوات النواب لتعطيل جلسة انتخاب رئيس الجمهوريّة.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا