رفع الدولار الجمركي يستتبع تحرير العملة… “يا محلا” الانهيار
بعد طول تسويق وترويج إلى اتجاه الحكومة اللبنانية لرفع الدولار الجمركي، كسبيل إلى رفع واردات الخزينة العامة، بما يساعد على تحسين وضعية الدولة في التعاطي مع الانهيار الحاصل،
وقعت “الواقعة” وتمّ إقرار احتساب الدولار الجمركي على سعر 15.000 ليرة،
خلال إقرار مجلس النواب، الأسبوع الماضي، قانون الموازنة العامة للعام 2022.
وفور اعتماد هذه الخطوة بدأت التساؤلات حول مردوداتها الفعلية على الخزينة،
إيجاباً كما تريد الحكومة، وسلباً كما يرى كثيرون، لكونها أتت ناقصة ومنقوصة
من دون خطة اقتصادية شاملة. علماً أن الأمر لا يزال بحاجة إلى صدور مرسوم يُنشر في الجريدة الرسمية ليصبح نافذاً بشكل نهائيّ.
الخبيرة في الاقتصاد الكلي والسياسات النقدية، ليال منصور، تقارب المسألة
من وجهة نظر اقتصادية متخصصة بحتة. وتشير إلى أن “الدولار الجمركي ارتفع 10 أضعاف
لكنه لا يزال أقل بكثير من مستوى سعر صرف الدولار في السوق”، لافتة إلى أن
“هذا القرار ليس بدعة اخترعها اللبنانيون إنما شهدنا مثيلاً له في بلدان كثيرة”.
وتوضح منصور، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني،
أنه “في الكثير من البلدان، حين يكون سعر الصرف متقلّباً أو مرتفعاً، يقدم المسؤولون
على خطوة مماثلة بنيّة مساعدة الشعب وكنوع من الخدمة له، على أساس تحديد
سعر للدولار الجمركي أقل من سعر السوق”، لكنها تستدرك بأن “هذا السيناريو وفي السياق الذي تم إقراره به، ناقص”.
وتضيف، “حين تمنِّن الدولة المواطنين برفع الدولار الجمركي إلى 15.000 ل.ل. فقط، لا إلى 30.000 ل.ل أو أكثر،
يجب عليها أن تمنحهم بالتوازي بديلاً، مقابل الأعباء التي سيتحمّلونها. أي على الدولة أن تكون
قد وضعت خطة للإنقاذ، وبرنامجاً يؤدي إلى إيجاد فرص عمل أمام المواطنين، وغير ذلك،
وتوضح لهم بأنهم سيتمكنون بالتالي من دفع الزيادة على الدولار الجمركي وتحمّل ما يتبعها من رفع لأسعار السلع والخدمات وغيرها”.
وتشدد، على أن “رفع الدولار الجمركي في أي بلد يأتي متزامناً مع خطة اقتصادية متكاملة،
لا بشكل منفرد. بمعنى أن الدولة تحمّل المواطنين أكلاف إضافية من جهة، لكنها تساعدهم
وتقدِّم لهم فرصاً تمكنِّهم من التعايش مع الوضع بشكل غير مرهق من جهة ثانية”.
لكن بما أنه تم رفع الدولار الجمركي من دون خطة إنقاذية شاملة، تعتبر منصور،
أن “الوضع في هذه الحالة يتحوّل إلى مؤذٍ بدرجة كبيرة، لأن الأسعار سترتفع أكثر،
علماً أنها تضاعفت أساساً نحو 20 مرة والقوة الشرائية اختفت تقريباً”.
وتعتبر، أن “رفع الدولار الجمركي في بلد حيث لا قانون يُحترم، ولا قضاء يلاحق ويحاسب،
والأمور متفلّتة ولا ضبط للحدود والمعابر، مثل لبنان، يعني تشجيع التهريب إلى درجات كبيرة.
وسنصل إلى وضع حيث لا يعود المواطن السيِّئ أو الذي لا يحترم القانون، يقوم لوحده ب
التفتيش عن البضائع المهرَّبة، بفعل انخفاض أسعارها عن غيرها التي تدخل بصورة شرعية
وتُدفع عليها الضرائب والتعرفات الجمركية،
بل حتى المواطن المثالي والـclass، إذا صح التعبير، سيفتش عن البضائع المهرَّبة لأنها من دون ضريبة وثمنها أرخص”.
وتلفت، إلى أنه “بفعل انهيار القدرة الشرائية في لبنان، لم يعد هناك طبقات غنية أو ميسورة،
أو حتى متوسطة، بالشكل الذي كانت عليه قبل اندلاع الأزمة. ووفق كل الدراسات والتقارير
الصادرة عن المؤسسات المحلية والدولية المختصة، تخطَّت معدلات الفقر في لبنان الـ80% من السكان.
بالتالي، هذا يؤكد أن ما تأمله الحكومة من زيادة مداخيل الخزينة مع رفع الدولار
الجمركي وتحسُّن الوضع لن يتحقق، لأنه أتى كخطوة منعزلة لا يمكن اعتمادها إن
لم تأتِ من ضمن خطة متكاملة لا بشكل منفصل”.
وتنوِّه منصور، إلى أنه “في المبدأ، قد تكون أهداف رفع الدولار الجمركي جميلة وحسنة،
لرفد الخزينة بكمية من الأموال واستثمارها في تشغيل عجلة الدولة والمشاريع والاقتصاد عامةً.
لكن حين تكون عبارة عن خطوة ناقصة معزولة عن خطة شاملة، تؤدي إلى نتائج سيئة جداً وتفاقم الوضع أكثر”.
وتضيف، “زيادة الضرائب أو التصحيح الضريبي يعني أن الدولة تتوقع زيادة الإيرادات، لكن حين تأتي الزيادة كخطوة ناقصة، لن تجني الدولة إيرادات أكثر. وقد يحصل العكس، لأن التهريب سيتضاعف،
وبالتالي قد تتراجع معدلات الإيرادات الجمركية وتنخفض حتى عن النسب الحالية”.
وتشدد، على أن “وضع السياسات الضريبية والنقدية واتخاذ قرارات على هذا الصعيد
لا يتم عشوائياً وبين ليلة وضحاها، بل بطريقة مدروسة بدقة وخطة واضحة شاملة.
فنحن لسنا مثلاً إزاء طالب يقوم بمراجعة سريعة قبل أن يتقدَّم إلى الامتحان،
إذ يقوم برصف بضع كلمات وينال (10/20)، (وبيمشي الحال). بل نحن في
مشكلة أساسية ولا يمكن أن نحصِّل في الامتحان الذي يواجهنا أقل من نتيجة (20/20)،
وإلا نكون رسبنا. فإما أن تكون خطة متكاملة وكل وزارات ومؤسسات الدولة تعمل بتناغم
مع بعضها لتطبيقها، مع وضوح تام للسلبيات والإيجابيات فيها، أو لا يمكن تسميتها إلا خطة فاشلة”.
وتتخوَّف منصور، من أنه “مع رفع الدولار الجمركي وعدم وجود رؤية اقتصادية إلى هذه الدرجة،
لبنان يتجه إلى تحرير صرف العملة للأسف، وهذا أكثر ما يخيفني. (ويا محلا) الانهيار الذي نعيشه، ودولار بـ60 أو 70 ألف ليرة مقابل تحرير العملة، وأتمنَّى ألا نصل يوماً إلى
تحرير العملة لأن النتائج السيئة لذلك لا يمكن تخيّلها”.
وترى، أننا “ذاهبون في هذا الاتجاه، لأنه عادةً البلدان التي تقوم بتحديد
سعر للدولار الجمركي لا يتطابق مع سعر الصرف الفعلي، تكون بصدد الاتجاه
إلى تحرير العملة، اعتباراً من أن الدولار لديها متقلب، لكن سعر الدولار في تلك البلدان
يكون متقلباً بنسبة بسيطة. أي في بلد معين يكون الدولار الحقيقي متقلباً بين 1.000 و1.100 و10.50 مثلاً،
يعتمدون دولاراً جمركياً بـ700، كنوع من خدمة للمواطنين كما أشرنا”.
وتسارع إلى التحذير، من أنه “في لبنان إذا ذهبنا إلى تحرير سعر صرف العملة،
لن يكون الدولار 1.000 و1.100 أو 30.000 و31.000، سنكون إزاء دولار يرتفع يومياً،
إن لم يكن بين ساعة وساعة وعلى مدار الـ24 ساعة في اليوم
، لأن تحرير العملة incompatible ولا يتوافق ويتعارض مع بلد مدولر، فهاتان مسألتان لا تتجانسان بأي شكل”، معربة عن تخوفها، من أن “تحديد سعر للدولار الجمركي مختلف عن سعر السوق،
يدلّ على أنه في الباطن هناك اتجاه إلى تحرير العملة”.
وحتى على سبيل البحث، تضيف منصور، “إذا افترضنا أن رفع الدولار الجمركي أمر جيد،
في المستقبل ومع تحرير صرف العملة سيكون من دون أي فائدة.
ولنتصوَّر الدولار الحقيقي بـ100.000 ليرة والدولار الجمركي بـ15.000 ليرة، أي فائدة تجنيها الخزينة والاقتصاد؟ لا شيء. فهل نرفع الدولار الجمركي عندها إلى 30.000 ليرة ومن ثم إلى 40.000 ليرة، وهكذا دواليك؟ ما يعني أننا سنبقى في الدوامة ذاتها، بل إلى مزيد من التراجع والانهيار”.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا