ارتفاع الدولار… لماذا “يلمّ” سلامة مليار$؟
لم يصمد سعر صرف الدولار عند العتبات المتدنّية التي بلغها قبل أسبوعين. بيان مصرف لبنان الأخير، الذي أعلن وقف التدخّل في السوق، سقطت مفاعيله بعدما عاد مصرف لبنان إلى “العبث”
بالسوق بحثاً عن الدولارات، ولذلك يبدو أنّ سعر الصرف سيواصل الارتفاع في المقبل من الأيام، وربّما إلى أسعار جنونية… وذلك للأسباب التالية:
1 – تخبّط السلطة بملفّ الكهرباء: تشير معلومات “أساس” إلى أنّ “السلطة”
قد طلبت أخيراً من حاكم مصرف لبنان رياض السلامة جمع 1 مليار دولار من أجل مؤسسة كهرباء لبنان، إذ تسعى الحكومة إلى إعادة التيار بمعدل 8 ساعات إلى 10 ساعات يومياً.
بعد “طيّ صفحة” الفيول الإيراني”، علِق مشروعا استجرار الكهرباء من الأردن
والغاز من مصر في شِباك السياسة. إذ تُشير المعلومات إلى أنّ الجانب الأردني
أنجز الشقّ المتعلّق به، وينتظر خطوتين من الجانب اللبناني هما: رفع التعرفة (أُنجزت)،
وتعيين أعضاء الهيئة الناظمة للكهرباء، الذي يبدو متعثّراً نتيجة الانقسامات السياسية والخلافات على التحاصص، ورفض جبران باسيل الدائم له.
أمّا الحلّ المصري فمتوقّف على تسعيرة الغاز الجديدة، والضمانة التي تنتظرها
مصر من الولايات المتحدة لتلافي عقوبات “قانون قيصر”. أمّا الكلام عن استيراد
الفيول من إيران فقد تلاشى بعدما لاقى هذا الطرح رفضاً صريحاً من جانب واشنطن،
التي اعتبرت في ردّها على الحكومة أنّ النفط الإيراني خاضع للعقوبات، حتى لو كان على شكل هبة غير مدفوعة.
الخطة البديلة المقترحة من الحكومة عن كلّ هذه الحلول هي أن يموِّل مصرف لبنان
شراء الفيول من خلال سلفة ستنتظر تفعيل الجباية في الأشهر اللاحقة على سعر منصة
صيرفة لتعويض هذه الأموال. هذه الدولارات استطاع سلامة أن يجمع جزءاً منها (يقال نحو 400 مليون دولار) خلال الأشهر المنصرمة، فيما البقيّة ستفرض عليه التدخّل شراءً من أجل لمّها من السوق،
وهذا سيكون سبباً كافياً لعودة سعر الصرف إلى الارتفاع إلى مستويات كبيرة جداً مستقبلاً،
أكثر من 40 ألفاً بالتأكيد، لكن العقبة أمام ذلك دستورية نتيجة خلو سدةّ الرئاسة، المناط
بها إحالة مشاريع القوانين من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب،
ولهذا ينتظر الرئيس ميقاتي من رئيس مجلس النواب نبيه بري،
إستحضار حلٍ أو “أرنبٍ” جديد يفي بالغرض المطلوب من دون العودة إلى أزمة استخدام واحدة من صلاحيات الرئيس.
2 – بدء تطبيق الموازنة: نشرت الصحف الصادرة أمس الأول، نقلاً عن مصادر مجلس الوزراء،
معلومات تفيد ببدء العمل مطلع الأسبوع المقبل بقانون الموازنة الذي سيُنشر في
الجريدة الرسمية بشكل استثنائي يوم الثلاثاء المقبل، على أن تبدأ
مفاعيله في اليوم التالي لصدوره. أخطر بند بهذه الموازنة هو زيادة رواتب القطاع العام التي سترتفع بمعدّل 3 أضعاف، أي أنّ
مصرف لبنان سيكون ملزماً بدفع قيمة تلك الرواتب بما يعادل الضعفين بالدولار
على سعر منصة “صيرفة” (30,300 ليرة اليوم وربّما يرتفع مستقبلاً ليدفع دولارات “فريش” أقلّ مقابل الرواتب).
في هذه الحالة سيكون مصرف لبنان ملزماً باستخدام احتياطاته الإلزامية،
أو بالعودة إلى التدخّل في السوق مجدّداً لتعويض تلك الدولارات. هذا
ما بدأ يقوم به منذ أيام، إذ عاد شارياً للدولار عبر كبار الصرّافين وصغارهم، الذين
يستعينون من أجل ذلك بالسماسرة والمضاربين غير الشرعيين المنتشرين مثل الفطر
على الطرقات وعلى صفحات التواصل الاجتماعي التي باتت لاعباً مؤثّراً في سعر
الصرف. وذلك كلّه وسط كلام بدأ يتواتر في الصحف عن احتمال أن تكون احتياطات المصرف المركزي قد انخفضت إلى ما دون 8 مليارات دولار، بخلاف ما يُظهره هو من أرقام على موقع “المركزي” الخاصّ.
3 – جشع المواطنين: قبل صدور البيان الأخير لمصرف لبنان، كان عدد كبير من
المضاربين والصرّافين (وعدد كبير من المواطنين أيضاً) يتحيّن الفرصة ويظنّ
أنّ الهبوط سيكون “دراماتيكياً” وسيصل إلى حدود 30 ألفاً. وقد أذكى هذه الشائعات
بعض المضاربين المحسوبون على جهات صيرفية دخلت حديثاً “السوق السوداء” وباتت
تسيطر على سوق الضاحية الجنوبية، ووصل تأثيرها إلى أغلب المناطق اللبنانية.
عمد بعضٌ من هؤلاء إلى بثّ أخبار عن قرب إصدار مصرف لبنان تعميماً يقضي
بفتح أبواب منصّة “صيرفة” على مصراعيها، وبلا سقف مثل المرّات السابقة،
فيهبط سعر الدولار إلى تلك المستويات، لكنّ هذا الأمر لم يحصل أبداً. لم يفقد
بعض المواطنين الأمل واستمرّوا بحمل الليرات، إلّا أنّ صعوده في اليومين
الماضيين إلى عتبة 40 ألفاً دفع بهم إلى التهافت مجدّداً على شراء الدولار خوفاً من انفلات الأمور وحرصاً منهم على تقليل
خسائرهم، وهذا ما ساهم في مزيد من الارتفاع، وربّما بارتفاعات إضافية في الأيام المقبلة.
4 – حرب المضاربين: بعض الصرّافين والمضاربين لم يكونوا على قناعة بأنّ مصرف
لبنان سيُصدر البيان الشهير عن وقف التدخّل، فحافظوا على دولاراتهم. لكنّ بعضهم
الآخر دخل عميقاً في لعبة مراهنات مدمّرة، من خلال البيع والشراء بواسطة “الكشوفات”، أ
ي من خلال بيع دولارات لا يملكونها في جيوبهم على أسعار مرتفعة، وذلك تمهيداً لجمع ليراتها ثمّ شراء الدولارات مجدّداً على سعر صرف أكثر انخفاضاً. كبّدت هذه العملية العشرات منهم خسائر فادحة
أدّت إلى إفلاس عدد منهم وتهرّبهم من الالتزامات التي قطعوها للزبائن،
صيرفة لتعويض هذه الأموال
ولم يعد لهم مصلحة ببقاء سعر الصرف منخفضاً إلى وقت طويل لأنّ ارتفاعه مجدّداً سيفتح لهم أبواب الفرصة لتعويض ما أمكن من تلك الخسائر.
5 – تعثّر تشكيل الحكومة: قبيل التوقيع على اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل،
كانت المؤشّرات توحي باحتمال تشكيل حكومة. وقد اعتبر بعض المراقبين أنّ
“التشكيل ملازم للترسيم”، وأنّ الاستحقاقين سيدفعان صوب هبوط سعر الصرف
من خلال إحداث “صدمة إيجابية” كبيرة. بقيت الرهانات معقودة حتى آخر أيام عهد
الرئيس ميشال عون، ثمّ سقطت تلك الآمال بعد سفر ميقاتي إلى قمّة الجزائر،
وقبيل نهاية عهد عون بيوم واحد، فاستدرك الجميع أنّ التشكيل ذهب أدراج الرياح
، ودخل لبنان فعليّاً في “فراغين” (الرئاسة والحكومة)، وبالتالي بُدِّدت
كلّ الآمال المعقودة على احتمال هبوط سعر الصرف، خصوصاً أنّ تدخّل المصرف المركزي بائعاً في هذا التوقيت يعني
حرقاً لدولاراته بلا أيّ منفعة أو طائل.
تشير كلّ هذه المعطيات إلى أنّ الحلّ الأسهل أمام السلط
ة يمرّ عبر مصرف لبنان، أي عبر طبع المزيد من الليرات. أمّا الإصلاحات المنتظرة من اللبنانيين والمجتمع الدولي… فإلها الله!
لمزيد من المعلومات اضغط هنا