الودائع غير موجودة… والبنوك مفلسة

الودائع غير موجودة… والبنوك مفلسة

أقفل العام 2022 على استمرار تداعيات جملة من الأزمات أبرزها الأزمة الإقتصادية التي تنعكس على كافّة القطاعات حتى السياسية منها، ليفتتح العام 2023 على مزيد من التدهور في الوضع الإقتصادي والمالي،

حيث بات الدولار قرب 50 ألف ليرة، ففي ظلّ هذا التدهور ماذا ينتظرنا؟

يعتقد جواد عدره، رئيس مؤسسة الدولية للمعلومات، في لقاءٍ مع صحيفة «نداء الوطن»،

أنّ «ردّة فعل الشعب اللبناني على الواقع الذي وصل إليه تستحقّ الدرس وستكون

موضوع بحث في الجامعات من قبل المتخصصين في علوم السياسة، الإقتصاد، الإجتماع والنفس الإجتماعي».

فهو، وإنْ كان يفهم دون أن يتفهّم، ردة فعل السياسي المتمسّك بالسلطة لا يمكنه تفهّم ردّة فعل الناس.

ويُعبّر عن إستغرابه المتفاقم مع ما يحصل من كوارث، لعلّ أهمّها على الصعيديْن التربوي والصحي،

فكيف يستطيع المواطن تحمّل كلفة العلاج التي أصبحت أكبر من قدرته وماذا عن تعليم أبنائه؟

ويعود عدره إلى الوراء ليُنبّه إلى أنه «تمّ صرف وهدر حوالى 310 مليارات

دولار من 1990 ولغاية 2022، وفي المقابل، لا كهرباء، لا طرقات، لا تعليم رسمي،

لا جامعة لبنانية، لا ودائع ولا تسديد للديون، مما يستوجب طرح سؤال لا يتعلّق بالهدر وحسب، إنّما بأسلوب حياتنا!

لذا يُبدي إستغرابه من «ردة فعل الناس على الكارثة التي حصلت» والتي يصفها بـالـ «غربية»،

بحيث «لم نرَ أي محاسبة بل جلّ ما رأيناه، إتهامات متبادلة، وإلقاء اللوم بين السياسيين

على بعضهم البعض وعلى الشعب، ومن الشعب على السياسيين، من دون طرح المسائل

الجوهريّة والتي تتلخّص بسؤال: لماذا وصلنا إلى هنا، وأيّ لبنان نريد؟».

ويرى أنّ «واجب الناس مساءلة السياسي: «هل أنت سياسي موجود اليوم من أجل مصلحتك

الخاصة أو تلك العامة؟»، وأنْ نسأل ذواتنا أيّ لبنان نريد؟، نحن، حتى اليوم، لم نجلس

مع بعضنا البعض لنحدّد أيّ لبنان نريد، وهكذا نكرّر ما فعلناه بعد الحرب الأهلية.

هذا هو العنوان الكبير، هل نريد لبنان فندق 5 نجوم بأجنحة وغرف ومطابخ وبارات

حيث النادل والحارس والوزير، نقيم فيه بشكل نعتقده مجّانياً فلا ندفع الضرائب،

ونكون كشعب وسياسيين، على إستعداد لمدّ يدنا للخارج شحادة وإستعطافاً من أجل مساعدتنا؟».


وينتقد جواد عدره هذا «اللبناني المستعد لأن يكون «زلمة» السياسي، فيقبض منه،

أي من الأموال العامة، من دون القيام بأي جهد مستقل معيشة أو تمرداً، ويعتبر أنّ

على الدولة (لا الزعيم) تأمين مطالبه، لا بل أنّه من واجبه، وهنا تبرز المشكلة الحقيقية المتمثلة

بعدم تمكّن السياسي من الإستمرار في تلبية مطالب رجالاته، فالدولة في حالة عجز،

ولا يمكن له الإستمرار في السلطة من دون التمويل المتواصل، غير أنّ البقرة أو الدجاجة

التي تبيض الذهب قد ذبحت». ويتطرّق إلى «النظرية التي تفضي إلى فصل السياسة عن الإقتصاد»،

غير أنّه يُلاحظ بأنّ «كل شيء يتعلق بالسياسة، فالإقتصاد سياسة، والإسكان سياسة، والتغطية الصحية سياسة،

لذلك تبقى الفكرة الأهم بأن نعرف أيّ لبنان نريد، وإلّا لن نستطيع الخروج من الأزمة، وكل كلام آخر مضيعة للوقت».

وعن السبب الذي يؤخّر الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي، يلفت إلى أنّه «من السخرية بأن اليسار الذي يعتبر

أنّ صندوق النقد الدولي هو ذراع الإمبريالية، وها هو يطالب به ليستقوي على القوى السياسية، في حين ي

رفضه كبار رجال الأعمال والمصارف والسياسيين. درجت العادة بأي دولة في العالم أن تكون الحالة

معكوسة بحيث يكون اليسار لا يريد الـ IMF، لإلتزام سياساته بالنظام الرأسمالي والمستفيدين منه».


من هنا، يكشف عدره عن «السبب الرئيسي لمعارضة الاتّفاق مع صندوق النقد الدولي على الرغم

من المباحثات التي يقودها لبنان معه منذ 3 سنوات. فلو كانت النيّة بإبرام إتفاق معه، لكان حصل ذلك. ما يبدو أنّ الشروط التي يطلبها الصندوق لا يمكن للنظام اللبناني تحمّلها، لسبب مهم وهو أننا لسنا

نظاماً كلاسيكياً بل نظام غريب عجيب، فهو ليس إشتراكياً ولا رأسمالياً، بل هو نظام

من اختراعنا، وخارج عن المألوف. وكأن فرادة لبنان ليس في طبيعته وآثاره وإمكانيات أهله بل في هذا النظام الهجين».

وعلى الصعيد المعيشي، يشير إلى «التراجع الكبير الذي شهدته السلة الغذائيّة،

حيث تراجعت إلى حدود 60 إلى 70%، فعلى سبيل المثال، في السابق كان يدخل

إلى السوبر ماركت 100 زبون ويشتري الزبون الواحد بمعدل 60-70 دولاراً تقريباً،

أمّا اليوم فمعدلّ شراء الزبون يتراوح ما بين 20 إلى 30 دولاراً، إذًا فمعدّل القدرة الشرائية إنخفض بشكل كبير».


في المقابل، يشير عدره إلى أنّنا «اليوم عدنا إلى إستيراد وصلت قيمته إلى نحو 19 مليار دولار،

والتي كانت عند الإنهيار تبلغ الـ 20 مليار دولار، ومن ثم إنخفضت إلى 11 ملياراً في العام 2020،

لتُعاود الارتفاع إلى 19 ملياراً. وهذا الرقم يدلّ، وفق ما يراه عدره، على أنّ «البعض في لبنان

يتصرّف وكأنّه لا أزمة وهذا يستدعي المزيد من البحث، وقد يكون إرتفاع سعر المشتقات النفطية واحداً من الأسباب».

ما مصير الودائع؟ ومَن يتحمّل المسؤوليّة؟ يؤكّد عدره بأنّ «الودائع غير موجودة،

فالمصارف اللبنانية مُفلسة، وعندما تُفلس المصارف، فهذا يعني أنه لم يبقَ لديها

ودائع لإعادتها إلى أصحابها، فالأرباح والأموال الخاصة حُولت إلى الخارج،

وكل الكلام عن وجود الودائع هو غير صحيح وكان علينا تطبيق «الكابيتال كونترول»

في 2019 وإصلاح النظام المصرفي خلال عام واحد».

وبالنسبة إلى عدره، فإنّ المسؤوليّة «تقع بالدرجة الأولى على المجالس النيابيّة

والحكومات الـ 20 المتعاقبة منذ الطائف، وبمسؤوليات متفاوتة، ومن ثمّ على مصرف لبنان وعلى الكارتيلات وعلى «الانتلنجنسيا» التي كانت تسوّق للسياسات الإقتصادية والمالية الإنتحارية،

وفي الأخير على المودع أو المواطن».

وهنا يلفت إلى أنّه «ليس من باب الدفاع عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة

(وهو طبعاً يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية) إلّا أنّ مصرف لبنان قام بدور ليس له. فهو عمل على تعبئة فراغات موجودة بسبب غياب الحكومات وعدم قيامها بتحمل مسؤولياتها، قصداً أو سهواً أو جهلاً أو كسلاً».


وعمن يروّج لـ»استخدام أصول الدولة لردّ الودائع»، يستغرب عدره ذلك، ويسأل:

«هل من يروّج لذلك هم من الأشخاص الحريصين على ردّ الأموال لأصحابها؟ فليبدأوا بأنفسهم».

ويلفت إلى أنّ «المواطنين اليوم يسحبون ودائعهم بشكل غير صحيح وبطريقة ظالمة،

فالحريص على أخذ المواطن والمودع حقّه لا يسمح بتآكل وديعته بهذا الشكل،

ومن يطرح هذا الطرح جلّ همّه حماية أمواله الخاصّة لا أكثر ولا أقلّ».

وتربويّاً، يكشف عن أنّ «هناك جيلاً بكامله مهدّد»، إذ يُشير إلى أن هناك

«مؤشراً ومواصفات تقول بأنه إذا حصل انهيار بالتعليم على مدى 5 سنوات متواصلة فهذا

يعني أن جيلاً بأكمله انتهى، ونحن لدينا سنة واحدة فقط ونصل إلى هذه المرحلة.

فجيل بأكمله سيدمر تعليمياً، فهذا النقاش لا أحد يتطرق إليه وهو أهم من

معرفة مسار الدولار والليرة لأن هذا يساهم في بناء وطن. فقانون الإنتخاب

جرى تغييره 10 مرات، وأما التعليم فكانت المرة الأخيرة في العام 1997 حيث

تمّ ما يشبه نوعاً من التحديث له. فنحن نعتبر أن الانتخابات التي نشكو منها أهم من التعليم».

وعلى الرغم من ضبابيّة وسوداويّة المشهد، إلّا أنّ جواد عدره يرى أنّ

«هناك بصيص أمل بإمكاننا أن نعوّل عليه، وهو يتمثّل بقدرة اللبنانيين

على الإعتماد على أنفسهم في إدارة شؤونهم وفي التكافل الإجتماعي محلياً ومع المهجر،

في ظل الغياب شبه الكامل للدولة. فعادةً عندما تحصل كوارث اقتصاديّة تتبعها

فوضى أمنية إلا أن اللبناني أظهر نسبة عالية من الوعي يشوبه أحياناً بعضاً

من خضوع وخنوع، غير أنّه بادر إلى تدبير أموره بما تيسّر، مما يثبت أن هناك مجالاً لتوظيف هذه القدرات وطنياً».


يأسف عدره لغياب «الإرادة للخروج بخطة متكاملة تستفيد من هذه القدرات ومما

أنتجته الأزمة من فرص في لبنان وخارجه، وتوظيفها في بناء الدولة ممّا يمكّن لبنان

من الخروج من أزماته والنهوض من جديد خلال فترة تتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات».

هل ستمرّ الأزمة من دون محاسبة؟ يجيب جواد عدره قائلاً: «وهل كان هناك محاسبة

على الحرب الأهلية؟ هذا شيء مُتفق عليه فإذا أخذنا على سبيل المثال ما يحصل بالأحياء والقرى،

فهناك الكثير من الأحداث السيئة التي تمرّ من دون أي معاقبة ولا محاسبة، هذا على المستوى الفردي،

فسلّم القيم منهار. نحن لسنا بمجتمع، عملياً يتم تحديد المجتمع على أساس

مجموعة أفراد تعيش على أرض تتفق على طريقة حياة محددة تقررها مع بعضها.

لكن في لبنان، لا مجتمع، ولا حتى طوائف أيضاً، بدليل إختلاف الطوائف، ليس بين بعضها البعض وحسب، إنما داخلها أيضاً».

ويضيف: «في لبنان، الفرد، زعيماً أو مواطناً أو ما درج على تسميته مؤخرّاً «ثائراً»،

هو مجموعة أفراد تعيش بداخله، وهو نوع من التحوّل «الغريب العجيب»

بسبب هذا النظام الذي ارتضيناه لمدّة سنوات طويلة، والأنانية بالنسبة لهذا الفرد هي الأساس،

وهي فوق الطائفية، لا بل تتستّر بها وتتستّر بالوطنية و»الثورة»، ولا أحد مستعداً للتخفيف من هذه الأنا أو التضحية بها لأجل الصالح العامّ».

ووفق ما يرى عدره أيضاً، «عندما يحصل إنهيار مالي واقتصادي، هناك

بروتوكول متعارف عليه حيث يتم تطبيق قانون «الكابيتال كونترول» كإجراء فوري وخلال 24 ساعة، لكنهم تركوا المريض ينزف والآن تأخر الإنقاذ».

رماح هاشم – نداء الوطن

لمزيد من المعلومات اضغط هنا

Exit mobile version