بعيداً عن باسيل .. هذا ما اختارهُ “حزب الله” مؤخراً
باسيل
قبل انتهاء عهدِ رئيس الجمهوريّة ميشال عون قبل نحو 3 أشهر تقريباً، سعى “حزب الله” إلى إعادةِ تكوين علاقاتِه مع الآخرين الذين يمكن اعتبارُهم “الخصوم الأوائل” لعون أثناء تولّيه الرئاسة. حتماً، كانَ هذا السّلوك هو الأكثر بروزاً للحزب تحديداً بعد الانتخابات النيابية، فالتقارب مع الآخرين كان أكثر وضوحاً في حين أنَّ المُبادرات التي كانت تُطرح على أكثر من صعيدٍ اتخذت منحى لافتا.
في الأساس، ما يُمكن قوله هو أنّ “حزب الله” اختارَ تبديل سلوكِه السياسي نوعاً ما، وما حرّره أكثر هو خروج عون من رئاسة الجمهوريّة في تشرين الأوّل الماضي. وضُمنياً، بات الحزبُ أكثر حريّة وغير مُقيّدٍ بوجود “حليفه” على رأس السلطة، لكنّه في المقابل لن يتجاوز حدود التفاهم مع عون لـ”الإنقضاض” عليه أو لـ”كسرِ” ما تبقى من علاقة سياسيّة وتحالفيّة معهُ. إلا أنه في الوقت نفسه، بات الحزبُ مقتنعاً بعدم “الإنصياع” أبداً لشروط رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل التي من المُمكن أن تُغرقه في سلسلةٍ من المناوشات مع الآخرين، فالظّروف الحالية تختلف عمّا كانت عليه قبل نحو 6 سنوات، تاريخ انتخاب عون رئيساً للجمهوريّة.
ماذا حقّق “حزب الله” مؤخراً؟
يومَ الثلاثاء الماضي، أي قبل يومين، كان واضحاً الأمين العام
لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في تأكيده على أنّه ما من جهة
تهدف لضرب “الموقع الماروني الأوّل في لبنان”. هنا، قد تكونُ الرسالة
هذه بمثابة عنوان طمأنينة لمختلف الأطراف وتحديداً المسيحيّة،
وإشارة إلى أنّ “حزب الله” يتعاطى مع هذا الموقع بنظرة أكثر دقّة. وأمام ذلك، قد يكون نصرالله قد خاطب بكلامه البطريركيّة المارونيّة لطمأنتها إلى أنّه لا نيّة لدى أحد لإحداثِ “إنقلابٍ”
مهما كان نوعه، وبالتالي لا استهداف لأي جهةٍ في الداخل ولا تحجيم لأيّ طرف.
عند هذه النقطة، فإن ما حققه “حزب الله” مؤخراً هو توطيد العلاقة
مع البطريركية المارونيّة، علماً أن التواصل بين الطرفين برز بشكلٍ علني
خلال المدّة الأخيرة. كذلك، فإنّ ما استطاع الحزبُ تحصيله أيضاً هو الإقتراب
أكثر من الجهات التي يُمكن أن تشوّش عليه في مرحلة الفراغ الرئاسي.
وعملياً، قد يكون الحزبُ استبق تلك المرحلة بالاقتراب من الآخرين المناوئين له
مثل رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط وغيره، وذلك من أجل
“تبريد” الجبهات معهم في المرحلة الحالية، ومن أجل “تقطيع” الوقت وفق قواعد
التوافق والتفاهم، وبمنأى عن التصادُم واللاحوار. وحتماً، لو سار الحزبُ حالياً
بذات المنهجية السابقة التي اعتمدها عام 2016 مع عون، لكان التصادم
حالياً أكبر مما يمكن توقعه، ولكان “الإنقضاض” عليه من الآخرين أكثر بكثير.
مع كل ذلك، فإنّ الحزب تمكّن أيضاً من اكتسابِ نقطةٍ جديدة لصالحه. فمن جهته، بات يسعى أكثر فأكثر لنزع صفة “التعطيل” عن نفسه، وقد فسّر نصرالله هذا الأمر مؤخراً بشكلٍ غير مباشر حينما فسّر وأكّد على أحقيّة عقد جلسات مجلس الوزراء من أجل الأمور الاستثنائية، وذلك انطلاقاً من رأي دستوري يجيز ذلك رغم وجود مواقف سياسية أخرى رافضة. وبمعنى أكثر دقة، فإنّ ما حققه “حزب الله” هو “تقليص” موجة
الهجوم عليه من خلال السير بملفاتٍ تحتملُ “المُسايرة” فيها، وبالتالي
التركيز على الملف الأساسي المُرتبط بـ”انتخاب الرئاسة”. فعلى صعيد
الشأن الحكوميّ، قد يرى “حزب الله” أن المُشاركة بجلسات مجلس الوزراء
تخدمُه وتُبعد أسهم الاستهداف عنه لأن الأمور ترتبط بشؤون الناس.
ولهذا، يُقرر المشاركة وعدم المقاطعة. هنا، يكون الحزب قد استفاد شعبياً
وأقله أيضاً ارتاح سياسياً من موجة مواجهة مع الخصوم.
أمام كل ذلك، فإنّ ما يمكن استشرافه هو الحزب اختار زيادة “البرغماتيّة” لديه، أي أنه شاء أن يعتمد أسلوب الليونة في مقاربة الملفات مع عدم اتخاذ مواقف حازمة وجازمة وصلبة في أمورٍ تحتمل النقاش والبحث والاجتهاد. أمّا في ما خصّ المواقف المفصلية، فإنه ستجري مقاربتها بمنحى جديد يُجاري مقتضيات المرحلة الرّاهنة، لكنه في المقابل، فإنّ ما يسعى إليه الحزبُ من خلال هذا السّلوك لا يتوقف عند حدود مصالحه، بل يرتبطُ أكثر بالشّخصية التي قد يطرحها علناً للرئاسة.. فكيف سيخدمها ذلك سياسياً؟ وما هي الخطّة التي يريدها حزب الله؟ هنا، سيكون للبحث تتمّة..
لمشاهدة المزيد اضغط هنا