اللبناني لم يعد يحتمل.. عندما “اهتزت” صحتنا النفسية مع الزلزال

اللبناني لم يعد يحتمل.. عندما “اهتزت” صحتنا النفسية مع الزلزال

كتلك الأبنية التي خفنا أن تسقط على رؤوس قاطنيها من شدة تأثير الهزة الأرضية قبل أيام، تماما هكذا هي الحالة النفسية لكثير من اللبنانيين الذين باتوا يعانون من بـ”نفسية” هشة وركيكة، لم تعد تحتمل المزيد. ببساطة لنعترف مرة بأنّ صلابتنا النفسية بدأت تهتز او ربما تلاشت لدى البعض بفعل الهزات والارتدادات الصدامية لما نعيش، بما يتداخل مع الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية. 

يمكن وصف الحالة النفسية والاجتماعية لبعض المواطنين بعد الهزة التي ضربت لبنان قبل أيام نتيجة ارتدادات زلزال تركيا وسوريا، بالخوف الشديد نتيجة تلك الازمة، التي جعلت كُثر في حالة رعب حقيقي. وللأسف، نسمع عن اشخاص كثيرين لم يتمكنوا من النوم خوفاً من حدوث هزة او زلزال لغاية اليوم، فالرعب يتملكهم وعبارة واحد تتردد “شو بده يصير فينا بعد اكتر من هيك؟”. 

 ليست وحدها الهزة، بل قدرة اللبناني “المهترئة” اليوم على تقبل المزيد من الوجع والخسائر، بما يجعلنا نسأل عن الحد الذي وصلت اليه الحالة النفسية للبناني الذي بات يتخوف من صوت قوي قد يسمعه، دون مبالغة. وأي نوع من الارتدادات على صحته ونفسيته، مع توالي سلسلة الاحداث الصدامية التي نعيش، ربطاً بالازمة اللبنانية الحالية المفتوحة على احتمالات كثيرة بينها ما هو سيء، وربطاً ايضاً بأخبار زائفة ومغلوطة يتم تناقلها بشكل يشبه الفيروس غير القادرين على احتوائه؟ 

الهشاشة النفسية  

وللعلم رأي بما يحصل، خصوصا مع الحاجة الى إعادة النظر بتركيبة مصطلح “الصلابة النفسية” لتوصيف المجتمع اللبناني، والحاجة الى مزيد من الأبحاث والدراسات لاستكشاف الحالة المجتمعية، من أجل البحث في العلاج أو أي شكل من اشكال المساعدة. 

يتحدث الاختصاصي بعلم النفس العيادي حسين حمية عن “الهشاشة النفسية”،

مشيرا الى انها ضعف يصيب البناء النفسي نتيجة ضعف القدرة على تحمل الضغوط

والقدرة على تسيير النزوات العدوانية التي قد يتعرض لها الفرد. ويشرح حمية في

حديث لـ”لبنان 24” انّه في السابق “كان يتم الإشارة الى المقاربة التي تقول ان الاحداث الصدامية

والحروب والخبرة في الحياة تجعل الانسان اقوى واشد صلابة، ولكن في المقابل لدينا

الهشاشة النفسية وهي أدنى مقاومة موجودة لدى الفرد تجاه الاحداث التي يتعرض لها”.  

وبالتالي “صفر قدرة على التحمل”، ويأتي ذلك مترابطاً بحسب حمية، مع غياب الوعي تجاه الصحة

النفسية وعدم اتخاذ تدابير مسبقة في وقت الازمات، وطبعا عدم قدرة اللبناني على العلاج النفسي،

وكلها عوامل مترابطة تؤدي الى مزيد من الهشاشة النفسية. 

ويتابع حمية: “عندما يمر الانسان بمواجهات صدامية وتتراكم الاحداث الصادمة والمفاجئة في حياته،

تقل قدرة الفرد على التحمل، وشيئاً فشيئاً يضعف هذا الانسان وتصبح نفسيته

ببساطة قابلة للانفجار، تماما كما حصل في وقت الهزة الأرضية،

حيث خرج الخوف الجماعي الى العلن، وكل ذلك مرتبط بأحداث سابقة ومخاوف كبيرة مكبوتة”.

 

تدخل فوري  

من هنا يتحدث حمية عن ضرورة إعادة النظر بمصطلح الصلابة النفسية للمجتمع اللبنانية،

ويقول: “الصلابة تعني القدرة على الأداء والتكيف وتحويل الظروف الضاغطة الى فرص،

ولكن هذا لا نعيشه اقله في الفترة الراهنة. بينما الهشاشة هي حالة لدى الفرد تجعله اقل مواجهة للخطر

وبالتالي أكثر عرضة للاضطرابات النفسية واقتراف سلوكيات المخاطرة”.

فأي ترجمة لهذه الحالة؟ يقول حمية: “تؤدي كل هذه المشاعر الى

الخوف والاحساس بالعجز، وللأسف أحيانا تؤدي الى نوبات من الهلع، وقد

تؤثر على صحة المواطن ونمط حياته اليومي. وحتماً يجب ان يكون هناك تدخلات

علاجية فورية بأشكال مختلفة. لذلك نعود ونكرر الحديث عن أهمية تعزيز واقع الصحة النفسية

، فعند حدوث مواجهة ما ليست بنية الانسان الجسدية مهمة فقط، بل بنيته ايضاً الصحية،

ورأينا حالات كثيرة من الامراض والانتحار، وحقيقة لا نحتمل المزيد من الخسائر”. 

انتشار الاخبار  

ولغاية اليوم، كُثر لا يأخذون العلاج النفسي او اقله الرعاية الصحية النفسية على محمل الجد،

مع انها تحدد سلوكيات الافراد وتعاملاتهم في المجتمع مع أنفسهم ومع الاخرين.

ويشدد حمية على أهمية الوعي النفسي، مؤكداً على خطورة الاخبار الزائفة في

التأثير سلباً في نفسيات وسلوكيات المواطنين، وضورة التنبه الإعلامي لمحتوى

ما يُنشر سواء عبر الوسائل الإعلامية او من خلال صفحات السوشيل ميديا التي تنشر الاخبار بشكل عشوائي دون التأكد من صحة المحتوى.  
 
وهكذا استعاد اللبنانيون ذكريات وصورا من “البومات” حزينة مرّت في

حياتهم في أوقات الحروب والمآسي والانفجارات. عاشوا الرعب والخوف من الواقع ومن الحاضر، والخوف الأكبر لا

يزال مستمراً بسبب ذعرهم من المستقبل، وعلى أمل بمستقبل أفضل يليق باللبنانيين الذي ملوا ويحتاجون اليوم الى قسط كبير من الراحة. 

لبنان 24

لمزيد من المعلومات اضغط هنا

Exit mobile version