هذا هو ثمن ترسيم الحدود؟
ترسيم الحدود
ثمة قناعة شبه مؤكدة لدى الأوساط الدولية وحتى اللبنانية أنه لولا موافقة “حزب الله” لما كان مشروع ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل قد أبصر النور. ولم تكتفِ الولايات المتحدة الأميركية بهذا “الدور الإيجابي”، الذي قام به الحزب، بل زادت عليه ما يمكن اعتباره مكمّلًا لهذا الترسيم حين تحدّث الرئيس الأميركي جو بايدن، وبثقة الواثق، عن أن ترسيم الحدود بين بلدين متنازعين سيفرض واقعًا جديدًا في المنطقة الفاصلة بين حدود هذين البلدين، بحيث أنه لا بدّ من أن يسودها الاستقرار الأمني، الذي سيترافق تلقائيًا مع بدء عمليات استخراج الغاز والنفط بالتوازي من حقلي “كاريش” و”قانا”.
ويعتقد أكثر من محلّل استراتيجي غربي أنه لو لم يكن “حزب الله” موافقًا على خلفية الخطوات التي ستلي الترسيم لما كان لهذه الخطوة أن تتمّ، وبهذه السرعة القياسية والمفاجئة، والتي لم تكن منتظرة، خصوصًا أن من يراجع مواقف السيد حسن نصر الله قبل شهرين تقريبًا من الترسيم لا بدّ من أن يلاحظ أنها كانت تتسم بالحدّية، وكانت تؤشرّ إلى فرضية نشوب مواجهة بما يشبه “ميني حرب” بين إسرائيل و”حزب الله”. ولكن ما حصل على أرض الواقع أن لبنان، وبعدما أعطى الحزب الضوء الأخضر، وافق على الشروط الأميركية بعدما حسّن نسبيًا شروط مفاوضاته غير المباشرة مع إسرائيل.
والملاحظ أن الاعصاب المشدودة سواء من الجهة الشمالية لفلسطين المحتلة أو من
الجهة الجنوبية للبنان بدأت تفقد تشنجّها شيئًا فشيئًا بعد الترسيم ، وهذا الأمر يؤكد أن
الكلام الأميركي عن الاستقرار في المنطقة الحدودية قد دخل حيز التنفيذ، ولو في شكل
غير علني وغير رسمي، على رغم أن لغة التهديدات المتبادلة، ولو ظاهريًا، لن تغيب
عن الخطابات الجماهيرية من جهة “حزب الله”، وفي التصريحات الشعبوية لرئيس حكومة العدو لإرضاء وزرائه المتطرفين.
وعلى رغم كل ما قيل وما سيقال في هذا المجال فإن ثمة واقعًا جديدًا قد فرض نفسه،
وبقوة، في هذه المنطقة الحسّاسة، حتى أن بعض المصطادين في المياه العكرة يذهبون
في تقديراتهم إلى أبعد ما هو ظاهر للعيون عندما يتحدّثون، ولو بخجل، عن تحّول “حزب الله”
عن دوره الأساسي في مواجهته للأطماع الإسرائيلية وتصدّيه للاعتداءات المتكررة للبنان إلى
دور آخر، بحيث أصبح بمثابة حارس للحدود الفاصلة بين لبنان وفلسطين المغتصبة،
أو أنه تحوّل إلى قوة ضامنة لاستخراج النفط من كلا الحقلين.
بعض الذين اطلعوا على هذه الفرضيات، وهم قريبون من جو “حزب الله”، استغربوا
هذه المحاولات، التي تهدف بحسب نظرتهم للأمور، إلى زعزعة الثقة القائمة بين
الحزب وبيئته الحاضنة. وهم يعتبرون أن هذه السياسة لم تتوقف يومًا، ولكنها أخذت
في الآونة الأخيرة أشكالًا وأنماطًا متقدّمة، مستفيدة من وقوف الحزب خلف الدولة
اللبنانية في مفاوضاتها غير المباشرة مع العدو حول في ما يتعلق تحديدًا بملف ترسيم الحدود.
وفي رأي هؤلاء المقربين من “حارة حريك” أن محاولات البعض لتشويه الحقائق لن تغيّر
في شيء من طبيعة عمل المقاومة، التي لا تزال ترى في الكيان الإسرائيلي خطرًا دائمًا
على لبنان وفلسطين، وهي كانت له بالمرصاد بالأمس، وستتصدى لمخططاته اليوم وغدًا، وإلى قيامة الساعة.
وتحيل المشكّكين بصدق نوايا “حزب الله” إلى كلام أمنيه العام السيد حسن نصرالله،
الذي تحدّث قبل يومين، وأكد أن كل من يحاول زرع الشقاق بين المقاومة وبيئتها هو واهم،
ومهدّدًا من يدفع لبنان إلى الفوضى والانهيار بما لا يخطر على بال أحد، وأن غدًا لناظره قريب.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا