نواب “متل الأطرش بالزفّة”
دخل الإستحقاق الرئاسي في غيبوبةٍ تامة، وتوقفت أعمال البحث عن مرشّحين
جديين لرئاسة الجمهورية، بعدما ظهر الحائط المسدود المُنحصر بإسمين سليمان فرنجية والعماد جوزيف عون.
عدة جوانب من الإستحقاق الرئاسي، يُمكن التطرّق إليها ومناقشتها لمعالجتها،
لكن الأهمّ حالياً والمثير للإستغراب، هو أن غالبية النواب المسؤولين عن
إنجاز الإستحقاق وانتخاب رئيسٍ للجمهورية بأسرع وقت، ينطبق عليهم المثل الشعبي “متل الأطرش بالزفة”.
العدد الأكبر من نواب الأمة، كي لا نقول جميعهم، لا يملكون الحدّ الأدنى من المعطيات التي تخوّلهم الإجابة على سؤال “متى ننتخب رئيساً؟”
هم لا يملكون قرارهم، ولا يطّلعون على ما يجري داخل أروقة زعمائهم ولا على الإتصالات
واللقاءات التي تُعقد من أجل لبنان خارج الحدود.
والأنكى أن جميعهم دون استثناء، يطالبون في تصاريحهم وإطلالاتهم الإعلامية،
بضرورة إتمام الإستحقاق الرئاسي، وكأنّ هذه المهمة ليست من واجب المجلس النيابي المُنتخب
منذ أقلّ من سنة. منهم من ينتظر الخارج ومنهم من ينتظر رئيس حزبه، ومنهم من يريد استثمار الملف الرئاسي لغاياتٍ إنتخابية وشعبوية وحتى مادية.
غالبية الشعب اللبناني، تُدرك أن انتخاب رئيسٍ للجمهورية محصورٌ برؤساء الأحزاب الكبرى، الأصوات الشيعية يملكها الرئيس نبيه برّي والأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله، والأصوات المسيحية
يتقاسمها رئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع، ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل
، ورئيس “الكتائب” سامي الجميّل، والأصوات الدرزية يملكها رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، فيما الأصوات السنّية تائهة تبحث عمّن يوجّهها ويعوّمها.
هذه المعادلة تلخّص الأزمات التي يعيشها لبنان منذ استقلاله. مجموعة أشخاص لا يتعدّى
عددهم أصابع اليد الواحدة، يتحكّمون بمصير بلدٍ عُرف يوماً ب”بلاد الأرز”. وأمام هذا الواقع،
يبدو أننا نحتاج فعلاً للعبور نحو مشروع “جمهورية لبنان الثالثة” الذي أطلقه عمر حرفوش، والذي ينصّ على ضرورة انتخاب رئيسٍ من الشعب مباشرة.
إنطلاقاً من واقعنا المزري بأن النواب هم من ينتخبون رئيس الجمهورية،
لا بدّ من مقاربة الإستحقاق الرئاسي بموضوعيةٍ تامة، وأبرز ما يجب التسليم به،
هو أن لا رئيس من دون موافقة الثنائي الشيعي، ليس بسبب سلاح الحزب بل لأنه مع حركة “أمل”،
فازا بجميع المقاعد الشيعية في الإنتخابات النيابية. ولعلّهم القوة السياسية الوحيدة التي تملك ورقة الميثاقية بكلّ ما تحمله من معنى.
لذلك، ولمن يريد فعلاً إنجاز الإستحقاق الرئاسي، أن يركن إلى الحوار مع الثنائي،
والحوار لا يعني التنازل أو الخضوع. لكن كيف ل”حزب الله” أن يتخلّى عن مرشّحه
وهو تحت نيران الإستهداف السياسي، وكيف للحزب أن يخفّض سقف شروطه الرئاسية، وفي المقلب الآخر هناك من يريد إيصال مرشّح الولايات المتحدة الأميركية؟
لا سبيل لإنهاء الشغور الرئاسي إلاّ بالحوار، والطائفة المسيحية لم تخلُ من
الشخصيات القادرة على إحداث الفرق، لكن التمسّك بسليمان فرنجية أو بقائد الجيش فقط، لن ينهي الفراغ بل ينعشه.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا