الودائع تُنهب.. لا تطير ولا تتبخّر
يصّر كثير من المسؤولين والخبراء في مقابلاتهم الإعلامية على استعمال عبارة «طارت الودائع او تبخّرت»، وهذه عبارة مستفّزة وتعبّر عن عدم فهم للقوانين، او إرادة لخلق حالة من اليأس لدى الجميع، لكي يقبلوا بأدنى الحقوق وبالحلول غير المنطقية.
فالودائع لا تطير ولا تتبخّر، هي تُسرق وتُنهب، وهذا يرتّب مسؤولية قانونية يتحمّل مسؤوليتها المصرف اولاً لأنّه أساء الأمانة، ومن ثم الدولة ومعها حاكم مصرف لبنان المركزي.
وقانوناً، تُعتبر الودائع ديناً في رقبة المصارف والدولة، يجب إعادتها إلى المودعين، حيث انّ الدستور اللبناني يعتبر الملكية حقاً مقدساً، وبالتالي «إذا تعذّر على المدين ردّ دينه للدائن مرحلياً، لعدم توافره بين يديه، فإنّ الدين يبقى سارياً وقائماً أبداً حتى يتمّ استرجاعه».
انّ اعتبار الودائع طارت او تبخّرت ولا حول ولا قوة ويجب تقبّل الوضع، هو تشريع للسرقة واغتيال العدالة، وتبرئة من تسبب بفظائع لا تُحصى ولا تُعدّ، ومن يصرّح بذلك هو شريك في الجرم وفي تيئيس الناس عن قصد او عن غير قصد.
ولا تقتصر المسؤولية القانونية على الودائع المتبقية بل ما تمّت سرقته منذ بداية الأزمة،
عبر اختراع بدعة «اللولار» بوسائل احتيالية. فالحسابات المودعة بالدولار يجب أن تُدفع بالدولار،
لا أن يتمّ صرفها بالليرة بنسب تعتمدها المصارف بالتواطؤ مع المصرف المركزي بطريقة غير منطقية.
والأسوأ، انّ من يصرّح انّ الودائع طارت او تبخّرت، لا يسأل عن ارباح المصارف
خلال الأزمة. وأخيراً تصريح للنائب السابق سليم سعادة لتلفزيون «الجديد»، انّ «المصارف توزع ارباحاً على أعضاء مجالس ادارتها
وحاملي الاسهم». فلماذا لا تتمّ مطالبة المصارف بفتح اوراقها بشفافية لتبيان حقيقة وضعها المالي،
وما أخذ منها المصرف المركزي وكم كان لديها، وكم أعاد المصرف المركزي من المبالغ التي أخذها؟
وغيرها من الأسئلة التي نردّدها مراراً. كما لا أحد يسأل عن تقارير المصرف المركزي المدققة
التي طالبنا بها تكراراً، هي تقارير دفعنا مقابلها اموالاً من مال الناس، ويتمّ تجاهلها ولا أحد يسأل عنها.
انّ الودائع لا تطير او تتبخّر حتى وان أُعلن افلاس المصرف، فيتمّ الاستحواذ على اصول المصرف وممتلكاته، وتقوم الجهة المستحوذة بإرجاع الودائع للناس في فترات زمنية تحدّدها.
والخطير انّه اليوم بات يخرج من ينادي بأنّ أزمة المودعين تطاول 20% من الناس فقط، ولا تطاول الشعب اللبناني كله، وهذه هرطقة مرعبة لأشخاص لا يفهمون أساس بناء اقتصادات الدول.
انّ عدم إرجاع الودائع لن يكون له أثر على المودعين فقط، بل سيتسبب بانهيار لبنان اقتصادياً.
فمن سيثق مستقبلاً بدولة نهبت مواطنيها ومودعيها؟ من سيتجرأ على الاستثمار في لبنان
او على تحويل قرش إلى مصارفه مجدداً؟ هذا سيكون له تداعيات مأسوية على الاقتصاد اللبناني،
والعكس صحيح. إذا قامت الدولة على الرغم من أزمتها المالية بإعادة الودائع، فستعزز الثقة،
وسيدرك أي مستثمر انّه حتى في عزّ الأزمات لن يخسر أمواله.
وفي عودة إلى قصتنا الشهيرة، قصة إبريق الزيت التي لن نتخلى عنها حتى تتحقق،
لا يجوز اليوم استمرار التغاضي عن الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة،
في بلد يتمّ اتخاذ القرارات العشوائية من دون الإطلاع على الارقام الحقيقية.
لن تستقيم الامور وننطلق إلى اقتصاد منتج ما لم تصبح الشفافية أساسية في عمل القطاع العام في لبنان.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا