الصائمون يتابعون يومياتهم بشق الأنفس.. لقد طفح الكيل والغلاء فاق قدرتنا
يتزامن شهر رمضان مع ارتفاع حاد في الأسعار، لاسيما تلك المتعلقة بالمواد الغذائية الأساسية من لحوم وحبوب وخضار وأجبان وفواكه، في ظل غياب كامل لكبح جماح الغلاء الذي يطاول مناحي الحياة اليومية. ولسان حال اللبنانيين واحد فقدنا القدرة على الاحتمال لكننا نعيش ببركة الشهر الفضيل.
أرخت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية بأعبائها الثقيلة على فئات واسعة من اللبنانيين
في شهر الصوم، مع انفلات سعر الدولار الأميركي الذي أوقعهم تحت نار الأسعار الملتهبة
وفقدانهم لقيمة عملتهم الوطنية، ما يدفع بالعديد من المواطنين الى التخلي عن الكثير
من المأكولات والمشروبات التي كانت تحضر على الموائد الرمضانية، التي عادة ما تكون عامرة بأصناف المأكولات، غابت عنها هذه السنة.
«الأنباء» جالت على بعض شوارع العاصمة ولسان حال المواطنين واحد، لقد طفح الكيل
والغلاء فاق قدرتنا على الاحتمال. ففي منطقة الطريق الجديدة في قلب العاصمة بيروت غابت مظاهر زينة رمضان التي عادة ما كانت تتزين بها الشوارع قبيل قدوم الشهر بأيام، لا أحاديث بين أبناء المنطقة
الذين يتجمعون قرب المحال من كبار السن لتمضية ساعات نهارهم، إلا حديث الدولار ولهيب الأسعار التي نهشت الجيوب وقضت على كل ما تبقى من جنى العمر الذي يفترض أن يحمينا من المرض أوسواه مما تخبئه لنا الأقدار في القادم من الأيام.
مختار المنطقة طارق السماك يشرح لـ «الأنباء» بالقول: إن مظاهر الزينة التي نستقبل بها الشهر الفضيل كل عام تعبيرا عن الفرح غابت عن شوارعنا هذه السنة، فهي من دون شك تتصل بشقها النفسي بأنها تضفي أجواء البهجة والفرح في نفوس الصائمين، أما الشق الثاني فهو مادي يتعلق بصعوبة كبيرة بتأمين الأموال بسبب الضائقة الاقتصادية. قبل سنوات كان الخيرون والمقتدرون من أبناء المنطقة يبادرون الى تزيين الشارع احتفالا بقدوم الشهر الكريم، يجمعون ما تيسر من مال من المتبرعين من أفراد وأصحاب المحال التجارية، اليوم كل شيء تبدل ولا أحد قادر على أن يدفع وغابت المبادرات الشخصية.
ويضيف السماك أن هناك أمرا لافتا اليوم ومقلقا ويدل على كيف تبدلت أحوال الناس
وانقلاب ذلك رأسا على عقب، فمن كان سابقا يبادر وباندفاعة شديدة للمساهمة في
تقديم الخدمات من مساعدات عينية كانت توزع على المحتاجين من ابناء المنطقة،
أصبح اليوم يسأل ويوصيني بأن أتذكره في حال توافرت مساعدات من هنا وهناك.
بمعنى أن أحسب حسابه بها، وهذا أمر مخجل ومخز أن تصل بنا الأمور الى هذا الدرك، نحن أهل بيروت، أهل العزة والكرامة وسنبقى كذلك.
أما الجانب المتعلق بالحلويات التي لا بد أن تحضر على الموائد الرمضانية باتت اليوم شحيحة
عند الكثيرين بسبب ارتفاع أسعارها، هذا ما يقوله صاحب محل الحلويات في المنطقة عينها عدنان المصري
ان أسعار المواد الأساسية التي تدخل في صناعة الحلويات كالسمن والسكر والمكسرات
باتت غالية الثمن بل خيالية والعديد من الزبائن تغيرت أحوالهم، وهم يسألون عن السعر قبل الشراء،
فمن كان يشتري بالكيلو اصبح اليوم يطلب النصف، وهناك من لا يشتري أبدا وأعرفهم واحدا واحدا
فهم أبناء المنطقة. فضلا عمن يسأل عن البواقي أي ما نسميه نحن القحاطة وهي ما يتبقى من حلويات في الصواني المستخدمة لوضع الحلويات.
ويتابع المصري بالقول: إننا نعيش زمن الذل والكرامة المهدورة فالتاجر يأكل عند ارتفاع الدولار
ويأكل عند انخفاضه ولا يرحم، يعني بالمشبرح ادفع ادفع فأنا لا أشبع، والتاجر الصغير كما المواطن
يدفع الثمن. أما السياسي فهو غائب عن الوعي لا عين له ترى ولا أذن تسمع، وفي كل الأحوال
امل أن أبقى مستمرا في عملي فأنا رب أسرة وليس لدي غير هذه المهنة التي ورثتها عن والدي.
ونتابع باتجاه منطقة البسطا ونسأل المارة عن أحوالهم وكيف يتدبرون أمورهم مع الغلاء
وتفاقم الأسعار وتجيب أم طارق كتوعة ربة المنزل الستينية: نتدبر أمورنا بطلوع الروح. ثلاثة أيام مرت على شهر رمضان
واكتوينا بنار الغلاء وفي الأساس الأسعار نار انما ارتفعت اليوم اضعافا مضاعفة.
ولا أحد من أصحاب السوبر ماركت يرحم في شهر الرحمة والغفران كل همهم الربح،
ولا أحد من السياسين يرحم أيضا ولا يتطلعون الى معاناة شعبهم. أما عن زوجها فتقول
لقد أقعده المرض منذ سنوات، وليس لي من معيل سوى أولادي الذين يكابدون ويذوقون
الأمرين لتحصيل قوت أولادهم وهم يعيشون معي في المنزل بسبب ضيق ذات اليد وتدني مدخولهم الشهري. وعندما نسألها عما اشترته في صبيحة هذا اليوم تجيب بأن الحلويات غائبة عن طاولة الإفطار
كما المشروبات من جلاب وتمر هندي وسواها بسب أسعارها المرتفعة، وأنا أعمل على
تحضير ما تيسر من حلويات رمضان، وهاأنا اشتريت اقل من 200 غرام من الجوز واللوز بسعر لا يصدق 178 ألفا، وهي قبل ثلاث سنوات لم يكن سعرها يتجاوز عشرة آلاف.
وتتحدث إلينا سيدة من آل الاغا في منطقة الطريق الجديدة التي رفضت ذكر اسمها بالقول
إن ما اشترته من خضار هو بثمن قطعة من الذهب كان بالإمكان الحصول عليها قبل الأزمة،
وهذا الكيس عبارة عن القليل من الخضار لإعداد صحن الفتوش الذي لا بد أن يكون حاضرا
وينتظره الصائم. وتتابع أن سعره بلغ 220 ألفا، البندورة مثلا نشتريها اليوم بالحبة كما البصل
والخيار، لم يعد بمقدورنا شراء الكيلو بسبب اسعارها المبالغ فيها.
ويتحدث إلينا صاحب متجر صغير في محلة البسطا وقد تجاوز السبعين وفضل عدم ذكر اسمه
أن الزبائن تسأل عن الأسعار قبل الشراء، لم يكن الأمر كذلك يقول: كانت الناس تعيش في بحبوحة
الى حد ما، أما اليوم فهناك عائلات لا تكفيها ربطة خبز يوميا التي وصل سعرها الى 50 ألفا، عدا
ذلك أسعار الأجبان والألبان والحبوب التي ترتفع من دون مبرر، حتى عند انخفاض سعر الدولار يبقى التاجر على أسعاره المرتفعة.
لمزيد من المعلومات اضغط هنا