لماذا يتهرّب النواب من تحمّل مسؤولياتهم التاريخية؟
يستطيب بعض السياسيين، ومن بينهم نوابٌ ينتمون إلى مختلف القوى والأحزاب والتيارات السياسية، “لعبة” رمي الكرة إلى ملاعب الآخرين، من دون أن يتمكّنوا من تسجيل أي هدف في شباك الجهة المقابلة، من دون أن يأخذوا في الاعتبار مدى الضرر، الذي يُحدثونه، والذي تطال شظاياه جميع المواطنين، حتى أولئك الذين ينتمون حزبيًا إلى هذه الأحزاب والتيارات السياسية.
فبدلًا من أن تُصّب الجهود لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وعدم ترك البلاد تعيش في فراغ رئاسي قاتل، نراهم يتلهّون بالقشور، أو بتعبير آخر يحاولون إلهاء الناس بأمور من المفترض أن تكون من البديهيات في البلاد، التي تُحترم فيها الاستحقاقات الدستورية والمواقيت، التي على أساسها يُعاد انتاج السلطات المحلية، على تنوّعها وتعدّدها.
ومن بين هذه الاستحقاقات تجديد الدّم في الحياة العامة، التي تشمل المجالس البلدية والاختيارية، مع ما لهذه الانتخابات من أهمية قصوى على الصعيد التنموي المحلي، وما لها علاقة بالتسابق الإيجابي على الخدمة في المدن والقرى، كلٌ على طريقته. فالعمل البلدي هو إلى حدّ كبير عمل مجاني. ومن يقوم به لا ينتظر مكافأة أو مديحًا من أحد، لأن ما يقوم به من خدمات “ضيعوية” هو بدافع تحسين وضع القرى، وبالأخصّ تلك النائية والمحرومة من خدمات “الدولة”، والتي اعتادت على الاكتفاء الذاتي، وعلى “نخوة” أهلها، وبعض المغتربين من أبنائها.
فالانتخابات البلدية تختلف اختلافًا كلّيًا وجذريًا عن الانتخابات النيابية. فلهذه حسابات غير حسابات تلك. إنها “صراع” بين العائلات على تقديم الأفضل. ولا دورًا كبيرًا للأحزاب فيها سوى في المناطق، التي تُعتبر “حكرًا” على هذه الأحزاب بما يشبه حصرية التمثيل الشعبي والعائلي.
فمع “تطيير” الانتخابات البلدية والاختيارية لأسباب واهية وغير واقعية تدخل البلاد في فراغ من نوع آخر، سواء عبر تشريع التمديد، أو عبر “مصادرة” حق الناس في اختيار ما هو أفضل قياسًا إلى ما قدّمه الخلف طوال ست سنوات، وممد له سنة، وإلى ما يمكن أن يقدمّه السلف من تحسينات تبقى خاضعة لمراقبة الأهالي، الذين يعرفون كيف يحاسبون المقصّر. لأن الناس في البلدات والقرى يعرفون بعضهم البعض، وأن كل ما هو مخفي سيظهر للعيان.
لا شيء يبرّر التأجيل والتمديد، خصوصًا أن أي تمديد في ظلّ الشغور الرئاسي سيزيد من منسوب حالات الإحباط، التي يعيشها البلد، مع ما تعانيه من فوضى سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية.
فبدلًا من أن يجتمع نواب الأمّة لـ “تشريع” التمديد للمجالس البلدية والاختيارية كان حري بهم أن يجتمعوا لانتخاب رئيس. ومع هذا الرئيس تكون بدايات الحلحلة. ومن دون هذا الرئيس ستبقى البلاد تعيش حالات اليأس والقنوط و”القرف”، وستبقى وتيرة الصراع السياسي تدور على نفسها، من دون أن تتمكّن من المساهمة في نقل الناس من ضفة الكوارث إلى ضفة أكثر أمانًا، اقتصاديًا ومعيشيًا.
فمحاولة رمي المسؤولية على الآخرين ليست جديدة بالنسبة إلى بعض الذين لا يريدون أن يتحمّلوا عبء أي مسؤولية. هم لم يتحمّلوها في السابق، وكذلك لن يفعلوا ما هو صواب اليوم، وغير مؤتمن لهم في المستقبل.
هي سياسة الهروب إلى الأمام، أو سياسة من لا يريد أن يقدم على أي خطوة نافعة. هذا ما اعتدنا عليهم به، وهذا هو حالهم في مقام ومقال.
لبنان 24
لمشاهدة المزيد اضغط هنا