من المفارقات الكبرى في زمن التسويات السياسية والأمنية في المنطقة، أن تبقى الساحة اللبنانية خارج إطار اللوحة الإقليمية، في ظل تعطيل منهجي لكل الإستحقاقات الدستورية وارتسام معالم اكتمال الفراغ في المؤسسات، وذلك بمعزلٍ عن الإهتمام الخارجي المتزايد بالملف الرئاسي في إطار “اللقاء الخماسي” الذي انعقد بمرحلته الأولى وسيُطلق المرحلة الثانية في نهاية نيسان الجاري.
إلاّ أن عضو “الجبهة السياديّة من أجل لبنان” الدكتور شربل عازار، يبدي تفاؤلاً باحتمال انعكاس حراك دول “اللقاء الخماسي” بشكلٍ إيجابي على مجمل دول المنطقة ومن ضمنها لبنان، إذ لا يمكن أن تسلك هذه الدول مسارات متناقضة، فمن غير المنطقي مثلاً أن يسود السلام في اليمن نتيجة اتفاق بكين وتبقى الحروب والنزاعات الفرعية في البحرين والعراق ولبنان تحت أي عنوان كان.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور عازار لـ”ليبانون ديبايت”، أن الإنفتاح السعودي الخليجي على سوريا، يأتي في الإطار ذاته أي في إطار “تصفير” النزاعات وهذا ما يتطلب من النظام في سوريا “إيجاد تسوية سياسيّة مع المعارضة في الداخل وإعادة النازحين السوريّين الى ديارهم ومنع استعمال الأراضي السوريّة لتصدير الممنوعات او لاستهداف الأنظمة المجاورة”.
وعن احتمال أن يفوت قطار التسوية القوى المسيحيّة المعارضة وفق ما تحذّر منه بعض الأطراف، يؤكد الدكتور عازار، على أولوية الإتفاق بين الجميع حول معنى كلمة “تسوية”، معتبراً أنه “إذا كانت تعني، تركيبات مشابهة لمحطات سابقة وكأنّ لبنان لا يزال في الجنّة وأن الشعب اللبناني بألف خير فهذه مصيبة كبرى، فنحن في جهنّم وفي وسط أتون النار وانهيار غير مسبوق، وحتى في أيام الجراد في الحرب العالميّة الأولى لم يصل الشعب اللبناني إلى ما وصل إليه اليوم، فأموال المودعين طارت، والمصارف انهارت والرواتب لا تكفي لدفع فواتير الكهرباء والماء والمحروقات، والأدمغة هاجرت، والمستشفيات تحتضر، والمدارس والجامعات الرسميّة والخاصة على شفير الإقفال ومؤسسات الدولة من قوى عسكريّة وأمنيّة وقضاء ووزارات وإدارات فاقدة للتوازن”.
وهنا يسأل الدكتور عازار ما إذا كانت التسويات “المجرَّبة” كمثل رئيسٍ للجمهوريّة “تابع لمحور الممانعة، ورئيس حكومة معارض وتوزيع الوزراء على هذه القوى أو تلك، ما زالت صالحة لإعادة النهوض بهذا الوطن المنهوب المنكوب؟” ويستدرك معتبراً أن العودة الى أيّة حلول مشابهة “سَيودي بنا إلى قعر جهنّم وهي بلا قعر”.
ولذلك يشير الدكتور عازار إلى أن عجلة الدولة، لا يمكن أن تنطلق دون وجود رأسٍ للدولة، وليس أي رئيس، لأن كلّ أزمات لبنان الحاليّة ناتجة عن غياب الدولة أو استباحة الدولة لا فرق، فلبنان لا تنقصه الخُبرات والأدمغة والمهارات، بل ما ينقصه هو القرار ببناء دولة، ولكن كيف نبني دولةً، طالما قرارها مُصادَر من قِبَل فريق داخلي لصالح محور اقليمي، وطالما يتمّ استعمال أراضيها كصندوق بريد لصراعات لا دخل لنا فيها.”
وانطلاقاً ممّا تقدم، فإن المطلوب رئيس للجمهوريّة يعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها ويلتزم بروحيّة وحرفيّة الدستور، بحسب الدكتور عازار، الذي يشدد على وجوب أن “يتمسّك الرئيس العتيد، بعلاقات لبنان العربيّة والخليجيّة والدوليّة وقرارات الأمم المتحدة وبتحييد لبنان عن صراعات المحاور وإعادته كواحة سلام وملتقى للأديان والحضارات والحوارات، لأن لبنان وكما وصفه البابا القدّيس يوحنا بولس الثاني هو أكثر من وطن، إنّه رسالة”.
ليبانون ديبايت