الدول الصديقة والشقيقة ليست “كاريتاس”… هذا ما على اللبنانيين أن يفهموه
من حيث انتهينا بالأمس نبدأ اليوم، مع أن الأيام في مثل هذه الظروف تتشابه. فالملف اللبناني، وبالتحديد الرئاسي، موضوع في ثلاجة الانتظار، ولن يُحرَّك، لا عربيًا ولا دوليًا، على الأقل قبل موعد القمة العربية في 19 الشهر المقبل، وقبل بلورة مسألة مشاركة سوريا فيها تمهيدًا لعودتها التدريجية إلى الحضن العربي. وهذا الانتظار يلائم كثيرين من السياسيين في لبنان، الذين لا يزالون مشتتين ولا يدرون “وين الله حاطتن”، فيما الشعب يئّن، وقد زاد أنينه عندما وجد نفسه متروكًا كورقة في مهبّ الريح، خصوصًا أن ثمة شائعات كثيرة حول إمكانية تركيب الدولار الأميركي أجنحة من جديد ليعاود تحليقه (صورة مجازية) بعدما حافظ على استقراره طيلة فترة الأعياد.
هذه الشائعات ومدى تفاعل الناس معها كافية وحدها لقضّ المضاجع، ولدفعهم إلى المزيد من اليأس والإحباط، فيما نرى من لديهم كلمة سر مغارة “علي بابا” لتفتح على وجههم “كنوز” رئاسة الجمهورية ينتظرون على قارعة الطرقات الإقليمية والدولية، معتقدين أن أي حلحلة في الملف الإيراني – السعودي، وملف عودة سوريا إلى الحضن العربي من بوابة دولة الامارات العربية والمملكة العربية السعودية، قد تساهم في ترجيح كفتّهم على كفّة الآخرين، خصوصًا أحزاب ما يُسمّى بـ “المعارضة”. لكن هذه المراهنة الخاطئة، كما قبلها الكثير، ستوصلنا إلى ما أوصلتنا القراءات غير الواقعية للتحالفات الإقليمية، التي لم تتوافق توجهاتها أحيانًا كثيرة مع رغبات بعض المراهنين على الاحصنة، التي لم تصل يومًا إلى خطّ النهاية.
فلا السعوديون مهتمّون كثيرًا بما ستؤول إليه أوضاع لبنان إلاّ على خلفية ما يمكن أن يقدّمه الاستقرار على الساحة اللبنانية من تسهيلات لمسرى عودة العلاقات مع الإيرانيين إلى ما يقارب الحال الطبيعية، وبالأخصّ من خلال البوابة اليمنية. وكذلك يفعل الإيرانيون، مع فارق قد يكون له دلالاته، وهو أن علاقة طهران بـ “الضاحية الجنوبية” علاقة ثابتة، وإن كان الأمر يفرض على المسؤولين الإيرانيين ممارسة بعض الضغوطات على “حزب الله” لكي يوقف حملاته السياسية ضد المملكة.
هذه الأجواء يعرفها اللبنانيون أكثر من غيرهم، ولكن المعرفة الناتجة عن سعة الاطلاع وعن كونهم مسيسين “زيادة عن اللزوم” لا تكفي وحدها، بل يجب أن تُقرن بترجمة واقعية على الأرض، وذلك من خلال رؤية مشتركة، أقله في العناوين العريضة، كمقدمة لا بدّ منها للخروج من الشرنقة العنكبوتية، التي يكاد تشابك خيوطها يقضي على ما تبقّى من بصيص أمل.
ولكن ما لا يعرفه اللبنانيون، أو بالأحرى من يسمّون أنفسهم مسؤولين عنهم، هو أن الدول، ومن بينها الصديقة والشقيقة، ليست “كاريتاس”، وهي لا تتعاطى السياسة إلاّ من زاوية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية والتجارية وما يمكن أن تؤّمنه أي علاقة مع الآخرين من توازن واستقرار داخليين على المستوى الاقتصادي، وهي بالتالي لا تقوم بأي خطوة في اتجاه الآخرين إلاّ من ضمن سياق هذه المندرجات والمنطلقات.
فزمن “الأم الحنون” قد ولّى إلى غير رجعة. وكذلك هي الحال مع الدول التي درج لبنان على تسميتها شقيقة أو صديقة. وهذا ما يجب على اللبنانيين أن يتصرّفوا على أساسه. والنتيجة أنه إن لم يبنِ ربّ البيت فعبثًا يتعب البناؤون. هذا إن تعبوا.
لبنالن 24