السيناريو الفنزويلي وطباعة الليرة… مرقص يوضح ويُحذّر!
لم يبدد ترحيل حكومة تصريف الأعمال في جلستها الأخيرة تعديل قانون النقد والتسليف إلى موعدٍ لاحق، المخاوف على الليرة، في حال تمّ نقل صلاحية إصدار النقد من المصرف المركزي إلى الحكومة أو إلى وزارة المال، إذ من شأن هذا التعديل أن يؤدي إلى ربط طبع العملة بالقرار السياسي مع ما لذلك من محاذير مالية أبرزها فقدان الثقة في النظام المالي للبلاد وتآكل الليرة اللبنانية وتدهور قيمتها.
لكن ما هي أهمّ الدوافع وراء اتجاه الحكومة ووزارة المالية إلى الحصول على سلطة طباعة العملة بدلاً من مصرف لبنان، عبر تعديل المادتين /5/ و/47/ من قانون النقد والتسليف وإنشاء المصرف المركزي وتعديلاته؟
“ليبانون ديبايت” سأل عميد العلاقات الدولية في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبورغ الدكتور بول مرقص، والمتواجد في واشنطن حالياً، فاعتبر أنها تنطلق من رغبتها بزيادة رواتب القطاع العام، حيث تجد أن الحلّ لا يمكن أن يكون إلاّ من خلال طبع المزيد من العملة الوطنية.
ووفق الدكتور مرقص، فإن القدرة على طباعة العملة، تعدّ أداةً مهمة لأي حكومة للتحكم بالنقد الوطني وإدارة التضخم، لأن الحكومة تجد أنها من خلال سيطرتها على عملية طباعة النقود، يمكنها إدارة الإقتصاد بشكل أفضل وتجنّب المآزق.
وإحدى الإيجابيات الرئيسية لهذه الخطوة، يحددها مرقص بزيادة الشفافية، وتحقيق قدرٍ أكبر من المساءلة والرقابة، إضافةٍ للتحكم بحجم الليرة اللبنانية المعروض في الأسواق.
ومع ذلك، يكشف مرقص عن سلبيات، وأهمها التدخل السياسي في السياسة النقدية، لأن سيطرة الحكومة مباشرةً على طباعة النقود، يزيد المخاطر من أنها قد تستخدمها لتمويل مشاريعها الخاصة أو تنفق بما يتجاوز إمكانياتها، ممّا يؤدي إلى مزيد من عدم الإستقرار الإقتصادي، فضلاً عن ذلك، قد لا تتمتع الحكومة اللبنانية بنفس مستوى الخبرة التي يتمتع بها مصرف لبنان عندما يتعلق الأمر بإدارة الاقتصاد الوطني والنقد، فمصرف لبنان يتمتع بسنوات من الخبرة في إدارة السياسة النقدية، وقد يستغرق الأمر وقتاً حتى تتمكن الحكومة من بناء المعرفة والخبرة اللازمتين لإدارة النقّد بشكل فعّال.
وعلى سبيل المثال، يشير مرقص إلى الولايات المتحدة الأميركية، حيث تتشارك أربع جهات أميركية قرار طباعة الدولار الأميركي وهي البيت الأبيض ومجلس النواب والشيوخ ووزارة الخزانة ومجلس الإحتياطي الفيدرالي، فتعمل الحكومة الأميركية والإحتياطي الفيدرالي معاً لتحديد مقدار الأموال التي يجب طباعتها، مع مراعاة الظروف الإقتصادية مثل التضخم والبطالة، بينما في المملكة المتحدة، مصرف إنجلترا مسؤول عن طباعة الجنيه الإسترليني، وهو مؤسسة مستقلة، لكنه يعمل بشكل وثيق مع الحكومة لتحديد السياسة النقدية.
وعن أوجه الشبه بين تجربة فنزويلا وما يستعد له لبنان حالياً، يوضح مرقص، أن طباعة كميات كبيرة من البوليفار عملة البلاد، قد زاد التضخم، وقد اتُهمت الحكومة الفنزويلية بطباعة الكثير من الأموال، مما ساهم في الأزمة الاقتصادية في البلاد.
كما يكشف أن صلاحية طباعة العملة في فنزويلا، كانت موضوع نقاش وجدل، خصوصاً في السنوات الأخيرة، حيث لجأت الحكومة الفنزويلية إلى طباعة العملة لتمويل عجز ميزانيتها وسداد ديونها، ما أدى إلى زيادةٍ كبيرة في حجم النقد المعروض في الأسواق، وبالتالي تضخم مفرّط.
وقد قدّر صندوق النقد الدولي (IMF)، معدل التضخم في فنزويلا بأكثر من 5000٪ في عام 2021، ما يجعله واحداً من أعلى المعدلات في العالم.
وانطلاقاً ممّا تقدم، يحذر مرقص من طباعة النقود بشكل عشوائي، لأنه يمكن أن يؤدي إلى التضخم وإلى تآكل قيمة العملة الوطنية والإضرار بالإقتصاد الوطني، كما أن إعطاء الحكومة اللبنانية ووزارة المال سلطة طباعة الليرة اللبنانية بدلاً من مصرف لبنان، يرفع منسوب خطر التدخل السياسي في عملية طباعة العملة وإساءة استخدام هذه السلطة لمصالح سياسية، ولذا من الضروري، وعلى غرار العديد من الدول، أن تُحدد السياسة النقدية في البلاد، بالشراكة بين الحكومة والمصرف المركزي.
ليبانون ديبايت