الواقع “حسّاس” والنفخ بأبواق الخوف بدأ… المخاطر الأمنية جدّية!
لافتة هي الحملة الكبيرة التي تهدف إلى ترحيل النازحين السوريين من لبنان، مع ما تحمله من توترات حاصلة قد تهدِّد السلم الأهلي والأمن في البلاد، ولم تكن الدعوة إلى التظاهر والتظاهر المضاد أمام مفوضية اللاجئين، سوى جرس إنذار من خطورة الأوضاع التي تتسارع في التطوّر، فهل من خطر أمني جدّي يتهدّد لبنان نتيجة النزوح؟! وفق الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية العميد الركن خالد حمادة، فإن “مسبّبات أزمة اللاجئين السوريين في لبنان تعود إلى الطريقة اللامسؤولة التي تمت بها مقاربة هذا الموضوع من قبل الحكومة اللبنانية بدفع من حزب الله وحلفائه”، مشيراً إلى أن “الإرتباطات السياسية لهذا الفريق بالنظام السوري، ومسايرته بعدم الإعتراف بعجزه عن ضبط التحرّكات الشعبية في سوريا، هي التي عطّلت كل محاولات الحكومة لوضع خطة وطنية تنظم أوضاع اللاجئين السوريين في لبنان”.
وفي حديث لـ”ليبانون ديبايت”، لاحظ حماده، أن “المنظمات الدولية والإتحاد الأوروبي وقفوا عاجزين أمام دولة، لا تريد أن تعيّن جهةً واحدة مسؤولة عن هذا الملف، بل وزعته على وزارات الشؤون الإجتماعية والصحة والخارجية والداخلية والتربية الملف وفق ما أرادت الجهة السياسية التي ينتمي إليها كل من الوزراء، ووفق ما يمكن أن تجتذب الخدمات المقدّمة من مساعدات دولية”.
وتابع حمادة، ” كان المطلوب مخيّمات سكنية مضبوطة أمنياً ومراقبة صحياً، وتراعي حاجة الإقتصاد الوطني من العمالة، حيث يتم الدخول والخروج وتوزيع المساعدات وفقاً لتعليمات واضحة من السلطات الأمنية والإدارية، كما في تركيا والأردن”.
وأردف أن, “العقل الذي قرّر انتشار النازحين بشكل فوضوي في لبنان، هو العقل الذي يخطّط لاستخدام اللاجئين السوريين كورقة ضغط في الداخل، أو في مساومات إقليمية، وقد يصبح التسويق لصدامات بين اللبنانيين واللاجئين السوريين أحد أشكال الإستثمار السياسي الداخلي لتقديم الأمن على ما عداه من أزمات، بما يشكل مخرجاً لمعطّلي الاستحقاق الرئاسي”.
واعتبر حمادة، أن “اللبنانيين محقّون في قلقهم من فوضى اللجوء السوري والمخاطر المترتبة على ذلك في الإقتصاد والأمن، وكان يجب أن تكون شكواهم مدعاةً لتحرك حكومي مسؤول لاستدراك الموقف، فالتدابير العشوائية لن تفضي إلى شيء، كما إنّ ما يرافقها من ردود فعل شعبوية واعتداءات في بعض المناطق، يتنافى مع أبسط قواعد التعامل الإنساني، وإن ما قام به المسؤولون في لبنان سياسيون وأمنيون حتى الآن لم يكن سوى مبادرات استعراضية لم تأتِ بأي نتيجة”.
وسأل حماده: “لماذا تتم إثارة الموضوع تحت شعار صدام بين سوريين ولبنانيين، بدل أن يكون التدابير تتّخذها السلطة اللبنانية بحق من يخالف القوانين على أرضها؟ ولماذا يأخذ الموضوع بعداً طائفياً وكأن هناك طائفة من اللبنانيين تؤيد فوضى اللجوء السوري؟”.
وكشف أن “ما يحصل اليوم غير بريء وليس ردة فعل عفوية، ومنذ يومين دخل عدد من الأشخاص بطريق مغولية إلى مخيم للاجئين في البقاع الغربي، ولم تقم الأجهزة الأمنية بأي إجراء، فمن يضمن عدم تكرار ذلك في أكثر من مخيم، وما ستكون عليه ردود الفعل؟ وما هي مخاطر هذا النهج التعبوي والإستثمار السياسي في هذا الموضوع؟ هناك من يدفع باتجاه رفع نسبة المخاطر الأمنية، وهناك نفخ في أبواق مخاوف الناس”.
واستطرد حمادة قائلاً: “لم يقدّم الإجتماع الذي عقده الرئيس نجيب ميقاتي اليوم مع الوزارات المعنية وقادة الأجهزة الأمنية أي مقاربة جديدة للموضوع، وجلّ ما نص عليه البيان الصادر هو تكرار لما سبق، فهل ستقوم الأجهزة الأمنية بعد هذا الإجتماع بإجراءات إضافية لضبط الحدود؟ ثم ما الذي يضمن أن لا يعود اللاجئون الذين يتم تسليمهم لحرس الحدود أو للفرقة الرابعة إلى لبنان، في ظل تسيّب الحدود وتفشّي شبكات مهرّبي البشر التي اعترف بها الرئيس ميقاتي في الإجتماع؟ ثم هناك من يقول أن بعض اللاجئين لديهم أسلحة، لماذا لم يتطرّق رئيس الحكومة إلى هذا الموضوع، ولماذا لم يطلب من الأجهزة الأمنية التحقّق من ذلك وأخذ الإجراءات اللازمة؟”.
وتابع، ” هناك بلديات طلبت من الذين يشغّلون سوريين في نطاقها، ومن أصحاب العقارات التي يشغلها سوريون أن يتقدّموا بلوائح إسمية بهم، ومراجعتها عند كل استخدام إضافي أو إسكان إضافي وأخذ موافقتها المسبقة، هذا أمر جيد ويمكن تعميمه، فلا يعقل التعامل مع السوريين وغيرهم إلاّ تحت سقف القانون وباحترام القيم الإنسانية”.
وختم حمادة بالقول، “الكل يستشعر خطورة استمرار الوضع على ما هو عليه، ولكن السوريين دخلوا إلى لبنان لدواعي إنسانية وبموافقة الجميع، والفوضى جاءت نتيجة غياب القرار الحكومي، ويتحمّل مسؤوليتها الجميع، ولكن الطريق إلى طمأنة اللبنانيين وإخراج هذا الملف من الإستثمار السياسي والأمني ووقف تحوّله إلى قنبلة موقوتة، لا يكون إلاّ عبر سياسة حكومية واضحة تنظم اللجوء السوري والعمالة السورية في لبنان وإخضاع ذلك للقوانين ذات الصلة أولاً، وثانياً بالإرتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية في طرح مسألة عودة اللاجئين إلى سوريا مع المجتمع الدولي والجامعة العربية، ووقف المبادرات الشكلية والمهاترات السياسية في هذا الشأن”.
ليبانون ديبايت